+ A
A -
تعتمد طوائف الشعب الثائر على بعضها البعض في الاستمرار والعمل على تغيير النظام دون الاعتماد على وجود إطراف خارجية تدعمها وتمكنها من الوقوف في وجه النظام ومؤسساته، وإن وجد هذا الدعم فهذا يعني الخروج من دائرة الرغبة الشعبية الداخلية إلى دائرة أوسع متشعبة ومعقدة التفاصيل، متعددة الأطراف ومتضاربة الأهداف، فلا يوجد دعم مجاني يمكن أن يقدمه أي طرف خارجي -غربي تحديدًا- وهو ما يؤثر على المعادلة فهذا الدعم دومًا ما يأتي لحساب فصيل بعينه تتفق توجهاته وأهدافه مع هذا الحليف أو ذاك وهذا الدعم يقويه وفي نفس الوقت يبعده عن شركاء الميدان وهو ما يضعف المجموع، ذلك الدعم هو أمر نادر الحدوث ولا تفضله أو تنتهجه الأنظمة الغربية إلا لمنح النظام المزيد من الوقت ليتمكن من تجديد نفسه، وقد تتعاطف بعض الأنظمة الإقليمية مع الشعوب الثائرة وتحاول مد يد العون لها وتدعمها بطرق وأساليب عدة وغالبًا ما يكون هذا نابع من رغبة تلك الأنظمة في تغيير المعادلة القائمة وإضعاف السيطرة الغربية على تلك الأنظمة السلطوية مما قد ينتج عنه مستقبلًا تدعيم تواجدها واستقلالية متزايدة لقرارها .وهو ما يمكن أن نطلق عليه الاستثمار في الشعوب ومحاولة تكوين أحلاف جديدة وتغيير معادلة الحكم والأحلاف القائمة وهو ما يصب في مصلحة تلك الأنظمة والشعوب الثائرة وهو أمر لا بأس وضروري وحتمي لا شك في هذا، عوضًا عن الاستثمار في الأنظمة الديكتاتورية والسلطوية وهو النهج السائد والمفضل للغرب وحلفائه في المنطقة وعلى رأسهم بالطبع الكيان الصهيوني وحلف الثورة المضادة وفي مقدمته السعودية والإمارات ومن يسيرون في ركبهم.
في المحصلة من الواضح أن الأنظمة الديكتاتورية قد نجحت في تغيير جلودها وهو ما ما أعطاها نجاحًا مؤقتًا في المرحلة ولكنها أيضًا تيقنت أنه من الصعوبة بمكان إعادة الشعوب والمنطقة إلى سيرتها الأولى فكتاب الحكم الديكتاتوري والسلطوي قواعده لم تتغير رغم مرور الزمن وإن اختلفت أدواته، لكن في المقابل الشعوب الثائرة قد تغيرت إلى الأبد وهناك جيل جديد يتقدم، ووعي يتشكل، والتقدم التكنولوجي وخصوصًا في المجال الإعلامي والمعلوماتي وشبكات التواصل الاجتماعي قد سهل عملية توثيق ما جرى ويجري من أحداث وهو ما سيجعل من المستحيل إنكار أو تزوير ما حدث ويحدث ويمنح فرصة ذهبية لمن سيخرج غدًا لتغيير تلك الأنظمة والثورة عليها وهو أمر قادم لا محالة من مراجعة التجارب المستمرة منذ ثماني سنوات للاستفادة من إيجابياتها وتحاشي سلبياتها والنجاح في ما فشلت فيه الموجة الأولى من الربيع العربي فالحرية والعدالة مطلب وهدف حتمي والثورة لن تموت لا شك في هذا.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
16/03/2019
1616