+ A
A -
الهجوم الإرهابي الدامي الذي وقع يوم الجمعة الماضي على مسجدين في مدينة كرايست تشيرتش في نيوزيلندا، وقام به الإرهابي الأسترالي «برنتون تارانت» ذو الـ28 عاما والذي وصف نفسه بأنه من دعاة تفوق الجنس الأبيض وأسفر عن سقوط حوالي 50 إنسانا مسلما نحتسبهم عند الله شهداء والعدد مرشح للازدياد لوجود العشرات من الجرحى، الحادث الإرهابي البشع والذي قام منفذه ببث مباشر لوقائعه الدموية والمرعبة على الإنترنت عبر عدة مواقع منها الفيس بوك مستخدمًا كاميرا خاصة مثبتة على خوذة فوق رأسه نقلت تفاصيل جريمته بشكل مفصل منذ خروجه من منزله وحتى قيامه باستهداف وقتل بدم بارد أبرياء مسالمين ذهبوا لأداء شعائر صلاة الجمعة وكل ذنبهم وجريمتهم أنهم مسلمون ومهاجرون ولاجئون.
الحادث الصدمة له أبعاد وجوانب متعددة ويكشف بوضوح عن ازدياد مناصري اليمين المتطرف والعنصرية ضد المهاجرين بصفة عامة والمسلمين منهم بوجه خاص، ومذبحة نيوزيلندا وضع منفذها الغرب بشكل عام أمام مأزق غير مسبوق فكم من مرة وعقب كل هجوم إرهابي يستهدف المهاجرين والمسلمين يتم التهرب من الإقرار بأن الوضع أصبح ظاهرة والهجمات ليست كما يصورها الموقف الرسمي والإعلام الغربي أنها تصرفات فردية يقوم بها أشخاص يعانون من مشاكل حياتية أو اضطرابات نفسية وأي سبب آخر ويتحاشى ذكر أنها نتاج خطاب عنصري متزايد تجاه المهاجرين وهناك بعض الحكومات في الغرب تنتهجه وتروج له عبر مسؤولين رسميين ولا يقتصر على خطاب حزبي يقوم به حزب هنا أو جماعة عنصرية هناك، ولذا توالت ردود الفعل الرسمية والشعبية المنددة بالهجوم ومن قام به ومؤكدة على تقبل الآخر والترحيب بالمهاجرين والتأكيد مرارًا على احترام حقوق الإنسان بغض النظر عن الهوية والعرق والدين في محاولة للتنصل من أن هذا الهجوم الغادر هو نتاج مباشر لهذا الخطاب العنصري والتحريضي.
لكن الحادث الأخير يؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أنه كما أن هناك من ينادي باحترام حقوق الإنسان والحريات الدينية هناك أيضًا من يضع المهاجرين والمسلمين منهم بوجه خاص هدفًا يسعى للهجوم عليه والتخلص منه متأثرًا بالخطاب العنصري متشبعًا باستذكار حوادث تاريخية عن الصراع بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي وهذا ما قام به الإرهابي الأسترالي الذي نشر بياناً على الإنترنت من 70 صفحة يتحدث فيه عن توجهاته ودوافعه، وذكر فيه مراراً اسم تركيا -ربما لكونها أكثر دولة إسلامية تواجدًا وتأثيرًا على الساحة العالمية ووريثة الخلافة العثمانية عدو أوروبا اللدود على مدى قرون- وأحد أبرز معالم إسطنبول «آيا صوفيا» والذي كان كنيسة قبل عدة قرون وتحول إلى مسجد خلال المرحلة العثمانية، لكنه حاليًا متحف منذ أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، واستذكاره لحوادث ومعارك تاريخية شتى من عصور مختلفة وانتهت جميعها بانتصار الغرب المسيحي على المسلمين على غرار معركة «تولوز» الاسم المكتوب للمعركة باللغة الإنجليزية على قطعة السلاح وهي معركةٌ قادها والي الأندلس، السمح بن مالك الخولاني، مُحاصرًا مدينة تولوز عام 721، وهي قريبة من الحدود الإسبانية اليوم وقاد المعركة على الجهة الأخرى دوق أقطانيا، «أودو الكبير Odo the great» كما كتبه الإرهابي على سلاحه.
وانتهت المعركة بمقتل الخولاني وانسحاب عبدالرحمن الغافقي ببقية الجيش وبعدها ومعركة «تورز»، أو كما تُسمى بالتاريخ العربي معركة بلاط الشهداء عام 732 على بعد حوالي 245 كيلو مترًا عن باريس ولم تكن آخر معارك الأندلسيين في أوروبا، ولكن كانت المانعة لأي تقدم حقيقي بعدها وانتهت المعركة بمقتل الغافقي وتشتت جيش المسلمين، وحصار عكا ضمن الحملة الصليبية الثالثة عام 1189 واستمر لمدة عامين وانتهى بسقوط المدينة في يد الصليبيين، ومعركة ليبانت البحرية عام 1571 بينَ العثمانيين وتحالف بين إمارات إيطاليّة وإسبانيّة بشكل رئيسيّ، وبمساندة من البابا وانتهت بهزيمة العثمانيين والحصار العثماني للعاصمة النمساوية «فيينا» عام 1683 ومعركة «فاك» عام 1684 بين الإمبراطورية الرومانية والعثمانيين وحصار العثمانيين لبلغراد عاصمة صربيا الحالية عام 1688 ومعركة ممر شيبكا 1877 وكانت أحد أسباب استقلال بلغاريا عن الدولة العثمانية، ولو أضفنا لهذا قيام الإرهابي بالاستماع لأغنية باللغة الصربية تمجد رادوفان كاراديتش الملقب بسفاح البوسنة وكتابته على السلاح «اللاجئون أهلًا بكم في الجحيم» وتأثره بآراء الرئيس الأميركي «ترامب» كل ما سبق يؤكد أنه متشبع بثقافة مناصرة للهوية الغربية المسيحية وتفوق العرق الأبيض على ما سواه.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
21/03/2019
1589