+ A
A -
منذ سطوع نجم الولايات المتحدة الأميركية وفرضها لنفسها على الساحة الدولية كقوة عظمى بعد أن كتبت بتدخلها الكاسح في الحرب العالمية الثانية فصل النهاية في تلك الحرب إثر قصفها اليابان بالقنابل الذرية، واستسلام اليابان رسميًا في 2 سبتمبر 1945، وأعلن بعدها بسنوات قليلة وبالتحديد في 14 مايو 1948 قيام دولة الكيان الصهيوني في فلسطين بعد انتهاء الانتداب البريطاني عليها رسميًا بعدة ساعات وكانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي اعترفت به،
ولو قمنا بمد الخط السياسي على استقامته منذ قيام دولة الكيان وحتى يومنا هذا لن نجد دولة قامت بدعمه كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية والتي يعتبر حماية أمن واستقرار الكيان من كلاسيكيات وثوابت سياساتها الداخلية والخارجية على السواء، والوعد بالقيام بهذا الدور هو بند تقليدي في حملات المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة ومن أبجديات الحكم مهما كانت هوية ساكن البيت الأبيض سواء كان من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري أو حتى من الهنود الحمر.
مئات القرارات والمحطات طوال تلك العقود منذ قيام دولة الكيان الصهيوني اتخذتها الإدارات الأميركية المتعاقبة خدمًة وحماية له ولضمان استمرار تفوقه العسكري واستقراره السياسي على حساب الدول العربية، تلك الإستراتيجية تتصاعد وتيرتها بشكل ملحوظ كلما كان الرئيس الأميركي من الحزب الجمهوري ورغم أن أميركا دولة مؤسسات لا شك في هذا وهناك فصل واضح للسلطات حتى لا تتغول إحداها على الأخرى، لكن كل تلك الفواصل والحدود تتلاشى وتذوب عندما يتعلق الأمر بقرار يخص الكيان الصهيوني، وما قرار الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» الاثنين الماضي بالاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني على مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ حرب يونيو 1967 إلا تكملة للدور الأميركي الداعم للكيان وهدية جديدة يقدمها ترامب لحليفه نتانياهو ولدولته ربيبة أميركا في المنطقة، واستبق التوقيع على القرار اجتماع جمع بين الاثنين ترامب ونتانياهو وجدد فيه ترامب وعوده بالدعم الكامل والشامل للكيان، وفي المقابل كان نتانياهو في غاية السرور والسعادة ولما لا فقد منحه ترامب نصرًا سياسيًا يسعى خلفه الكيان الصهيوني منذ عقود وورقة رابحة وكارت في غاية القوة سيدعم موقف نتانياهو في الانتخابات القادمة وهو المختنق بملاحقات وتهم تهدد فرص فوزه في السباق الانتخابي وأيضًا ستمكنه من المزايدة واستخدام هذا في الترويج لجدية صراعه مع إيران وأن الاعتراف الأميركي سيمكنه من المضي قدمًا في محاولاته إنهاء التواجد الإيراني على حدود الكيان في الأراضي السورية.
الاعتراف الأميركي بسيادة الكيان الصهيوني على مرتفعات الجولان فصل جديد لافتئات الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص على الحقوق العربية وعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، لكن هذا الاعتراف ورغم معارضة الأمم المتحدة والعديد من دول العالم والدول العربية مجتمعة يضعنا أمام حقيقة متجددة أن الولايات المتحدة تحترم القرارات الدولية لو كانت في مصلحتها ومصلحة حلفائها أو لنكن أكثر دقة حليفها المفضل- دولة الكيان- وتضرب بها عرض الحائط وتسحقها دون أدنى اهتمام لو تعارضت مع مصالحها كما حدث مع تفعيل ترامب لقرار مجلس الشيوخ الأميركي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس في 23 أكتوبر 1995 بتأثير من الحركة الصهيونية ورغم وجود بند في القرار يسمح للرئيس بتأجيله لمدة 6 شهور ويتم تجديدها كلما كان هذا من دواعي الأمن القومي وهو ما قام به الرؤساء الأميركيين المتعاقبين حتى قام ترامب بتنفيذه بالتزامن مع الذكرى الـ70 لقيام دولة الكيان الصهيوني.
خلال أحد المؤتمرات العام الماضي وبحضور عدة أكاديميين ومثقفين عرب وغربيين وفي أثناء جلسة نقاشية شاركت فيها عبرت عن تثميني لما يقوم به الرئيس الأميركي ترامب وهو ما أثار استغراب وتعجب من يعرفونني وغالبية الحضور لكنى أكملت بالقول أن ما يقوم به ترامب هو بمثابة اللعب على المكشوف، حيث لا مزيد من الاختباء الأميركي خلف دور الوسيط في الصراع العربي_الصهيوني وترامب يمثل الوجه الحقيقي والصريح للولايات المتحدة دون رتوش أو مجاملات، حيث لا مجال للمناورات والخداع بل الذهاب مباشرةً للهدف دون مراوغة، فقد نسف ترامب عدة قواعد وثوابت سياسية منذ قدومه لسدة الحكم في البيت الأبيض بل حتى أثناء طريقه إليه حين تخطى وهو الدخيل على السياسة وجوه وقامات لها باع طويل في حقل السياسة وفاز بالانتخابات الرئاسية، وبعد صدور تقرير مولر الأخير وما ترتب عليه والمتزامن مع قرار ترامب بشأن الجولان المحتل يبدو أن حظوظ ترامب لن تقف فقط عند إكمال فترته الحالية بل سيفوز بفترة رئاسية ثانية.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
28/03/2019
1749