+ A
A -
تقول العرب «الحلم سيد الأخلاق».. وهو كذلك بالفعل كونه يتطلب ضبطاً للنفس وكبتاً للغضب ورد السيئة بالحسنة - وكل هذا من شخص قـادر على الانتقام أو أخذ حقه منهم بسهولة..
يقول أبو حامد الغزالي «الحليم هو من لا يستفزُّه غضبٌ، ولا يعتريه غيظ ولا انتقام مع الاقتدار».. وقيل لقيس بن عاصم: ما الحلم؟ قال: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرَمك، وتعفو عمن ظلمك..
والحلم من صفات المؤمنين الصادقين (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ).. وجاء عن أنس بن مالك: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بُرْدٌ نجراني غليظ فلحقه أعرابي فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرتُ إلى عاتق رسول الله قد أثَّرت بها حاشية البرد من شدة جذبته، ثم قال: يا محمد، مُرْ لي من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك فالتفتَ إليه رسول الله باسماً وأمر له بعطاء..
وجاء في كتب التراث أن رجلاً كان يسبّ الأحنف بن قيس في الطريق حتى اقتربا من بيته فتوقف الأحنف وقال: يا هذا، إن كان بقي معك شيء فقُله هـنا؛ فإني أخاف إن سمعك فـتـياني أن يؤذوك...
وشتم رجل عمرَ بن عبدالعزيز وهو خليفة فقال له عمر: إنما أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان انصرف الآن غفر الله لك..
أما قصتي المفضلة في الحلم (والتي قد تصادفها في كتب التراث بصيغ مختلفة) فجرت بين معاوية ابن أبي سفيان الذي كان يملك ضيعة (أو مزرعة) في المدينة بجوار ضيعة عبدالله بن الزبير..
وبالإضافة إلى الخلاف الذي كان بينهما - رضي الله عنهما- دخل عبيد معاوية إلى مزرعة عبدالله ابن الزبير واعتدوا على من فيها وعاثوا فيها فساداً؛ فما كان من عبدالله بن الزبير إلا أن كتب خطاباً (شديد اللهجة) إلى معاوية قال فيه:
من عبدالله ابن الزبيـر إلى معاوية ابن هند آكلة الأكباد.. اكفف يد عبيدك عن مزرعتي وإلا كان بيني وبينك شأن عظيم.. وصلت الرسالة إلى معاوية (الذي اشتهر بحلمه) وهو الخليفة بدمشق فقرأها وأعطاها لابنه يزيد يسأله الرأي فيها.. فـقال يزيد: أرى أن ترسل له جيشاً أوله في المدينة وآخره في دمشق يأتونك برأسه.. ولكن معاوية التفت إلى كاتبه وقال أكتب:
من معاوية بن أبي سفيان إلى عبدالله ابن ذات النطاقين وحواري رسول الله (ويعني والدته أسماء ذات النطاقين، ووالده الزبير ابن العوام ابن عمة رسول الله).. أما بعـد: فإن الدنيا هينة تجاه رضاك فإذا وصلتك رسالتي هذه فضم أرضي إلى أرضك وعبيدي إلى عبيدك ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك.. والسلام... وصلت الرسالة إلى عبدالله بن الزبير فـبكى ورد عليه:
إلى أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان؛ بارك الله في أرضك ومالك ولا أعدمك الله الرأي السديد الذي جعلك بهذا المقام.. دفع معاوية خطاب عبدالله إلى ابنه يزيد وقال له: يا بني إذا ابتليت بمثل هذا البلاء فداوه بهذا الدواء فمن عـفا سـاد ومن حلم عـظم..
حين تقرأ مواقف كهذه تشعر (دون الحاجة لأن يخبرك أحد) بأن الرجل الحليم شخص رائع يستحق المحبة والاحترام.. شخص يملك سيطرة كبيرة على أعصابه بحيث يستحيل إغضابه أو استفزازه أو منح الخصم فرصة التشفي به..
ولأن الحلم ليس بالضرورة طبع نولد به، أنصحك بتعلمه والتعود عليه والبدء بتطبيقه في حياتك (فإنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحـلم).. لا تعامل الناس من اليوم كما يعاملونك، بل كما هي أخلاقـك النبيلة ويفترض بالرجل الحـليم فعلها..
قالت العرب الحلم سيد الأخلاق لأنه يصعب على الأخلاق الاجتماع في سـيد واحـد.
فهد عامر الأحمدي
copy short url   نسخ
15/06/2016
7350