+ A
A -
منحت حكومة الثني للميليشيات التابعة لحفتر مسمى «الجيش الوطنى الليبي»، لكن الصراع الأساسي هو صراع اقتصادي حول ثروات ليبيا النفطية وسعى معسكر الثورة المضادة لتصفية الثورة الليبية ووضع ليبيا تحت سيطرة حليفهم خليفة حفتر الامتداد الطبيعي لسلسة الجنرالات التي يفضل الغرب وحلفاؤه في المنطقة التعامل معها بعيدًا عن صداع الحريات وامتلاك الشعوب لقراراتها وسيادتها.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال حصر الصراع الدائر في ليبيا بأجندات ومصالح داخلية فقط، بل هو صراع مصغر لأطراف دولية عدة ساحته ليبيا وتسعى فيه كل دولة للحصول على نصيبها من الكعكة الليبية، خليفة حفتر إعلانه الحرب على حكومة الوفاق وتقدمه نحو طرابلس لا يمكن فصله عما يجري في الجزائر، خصوصًا أن الهجوم من دوافعه محاولة استغلال الوضع في الجزائر وبالتالي يعني محاولة فرنسا- المؤيدة لحفتر- تمديد نفوذها ليصل للحدود الشرقية للجزائر، وهناك التوتر الفرنسي- الإيطالي، حيث عملت إيطاليا جاهدة على مدى سنوات لمد وتوسيع علاقاتها مع كافة الأطراف في ليبيا- مستعمرتها السابقة- بما فيها الجانب الحفتري، إيطاليا وحسب صحيفة «إل جورنال» الإيطالية حذرت فرنسا على لسان إليزابيتا ترينتا، وزيرة الدفاع الإيطالية، بقولها في يوليو الماضي: «لنكن واضحين القيادة في ليبيا لنا»، لكن وقفت فرنسا حائط صد أمام هذا وكثفت من دعمها السياسي والعسكري لحفتر مستغلة الفراغ السياسي الانتقالي حاليًا في روما، وفي خلفية الصورة لا يمكن إغفال تنافس عملاقي النفط إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية وأيضًا مصالح الشركات النفطية مثل شركة شل التي تمتلك أميركا 40 % منها وبي بي البريطانية، وتراقب أميركا وحليفها البريطاني الوضع عن كثب، وهناك روسيا التي تخلت عن حيادها في مجلس الأمن وبات واضحًا انحيازها لجانبه في محاولة لإيجاد موضع لها في منطقة حيوية ومهمة لأوروبا ويدور الصراع فيها حول منطقة مليئة بالثروات يسيل لها لعاب الجميع والكل من القوى الكبرى يسعى للحصول على نصيبه منها وليذهب الشعب الليبي ومعاناته ودماؤه إلى الجحيم.
كل المؤشرات والدلائل تؤكد أن الانقسام الدولي الحالي حول الوضع في ليبيا يرجح استمرار الحرب الأهلية، نظرًا لتعارض وجهات النظر واختلاف المصالح وهناك لكل طرف ذراع داخل ليبيا سواء كانت هذه الذراع عسكرية أو سياسية أو اقتصادية تعمل وتتحرك بناءً على أوامر داعمها الخارجي، ويؤكد أن الأمم المتحدة على العرب- القوى العالمية الكبرى- قد تبنت إستراتيجية تم الاتفاق عليها- ضمنيًا- بعد الحرب العالمية الثانية، وهي أن تتم تصفية الحسابات وانتزاع المكاسب وعقد الصفقات وحسم الخلافات بين القوى الغربية خارج القارة العجوز بحيث يتم القبض أو دفع الثمن دون أن يخشى أي غربي على نفسه في لندن أو باريس أو برلين أو روما أو واشنطن أو موسكو، ولا يهم إن جاءت تلك المصالح على حساب ودماء ومعاناة الشعوب المغلوبة على أمرها والواقعة تحت حكم أنظمة قمعية وسلطوية تستمد وجودها من الغرب نفسه الذي لا يمل من ترديد شعارات الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان ليل نهار، لكن الأمر الواقع أثبت أن تلك الشعارات يتم تنفيذها داخل حدوده فقط، ويتم سحقها بلا رحمة والدوس عليها بلا تردد حين يتعلق الأمر بالمصالح السياسية والاقتصادية، وما ربيعنا العربي المكلوم إلا برهان ساطع ودليل حي على كذب تلك الشعارات وزيفها، وبرهنت في نفس الوقت للشعوب العربية أن خلاصها الوحيد هو العمل على امتلاك زمام أمورها بنفسها وعدم الاستسلام لتلك الأنظمة التي ثارت عليها في الربيع العربي الذي عمل الغرب على تصفيته بشتى الطرق لتعود شعوب المنطقة لمربع الطاعة لحلفائه وليستمر في استنزاف ثرواتها ومقدراتها بثمن بخس وفي أحيانٍ كثيرة بلا ثمن على الإطلاق.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
12/04/2019
1659