+ A
A -
كلام مباح سألني أنت أين تقيم؟ أجبت: الدوحة واخوانك..قلت في بلاد الله..من هاواي في المحيط الهادي غربا إلى نيوزيلاندا في المحيط الهادي شرقا.. وسألته وأنت لِمَ لَمْ تهاجر؟ أجاب أنا مواطن مستقر..والهجرة تكون لمن هم غير مستقرين..فالحمد لله أجد رغيف العيش..وأصلى الصلوات الخمس في المسجد وأحج وأعتمر..وأتابع الدوري المحلي والإفريقي والأوروبي والأميركي الجنوبي. وهذا لعمري هو الاستقرار ولا أريد غيره..قلت والحرية والديمقراطية والرفاهية..قال،هذه ليست لشعوب مثلنا تعرضت لقمع على مدى اجيال والان جاء وقت الاستقرار..كلام صديقي المستقر اعادني لقراءة ما وردني من تلخيص لكتاب (العبودية الطوعية) للمفكر الفرنسي اتييان دو لا بواسييه الذي يقول فيه: (عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتواءم مع الاستبداد، ويظهر فيه ما يمكن ان نسميه (المواطن المستقر). في أيامنا هذه يعيش المواطن المستقر في عالم خاص به وتنحصر اهتماماته في ثلاثة أشياء: الدين، لقمة العيش وكرة القدم. فالدين عند المواطن المستقر لاعلاقة له بالحق والعدل، وإنما هو مجرد أداء للطقوس واستيفاء للشكل، لا ينصرف غالبا للسلوك.. فالذين يمارسون بلا حرج الكذب والنفاق والرشوة، يحسون بالذنب فقط إذا فاتتهم إحدى الصلوات! وهذا المواطن لا يدافع عن دينه إلا إذا تأكد أنه لن يصيبه أذى من ذلك... فقد يستشيط غضبا ضد الدول التي تبيح زواج المثليين بحجة ان ذلك ضد إرادة الله.. لكنه لا يفتح فمه بكلمة مهما بلغ عدد المعتقلين في بلاده ظلما وعدد الذين ماتوا من التعذيب! ويفعل الفاحشة والفساد في بلاده جهارا وبعد ذلك يحمد الله !!؟ لقمة العيش هي الركن الثاني لحياة المواطن المستقر.. فهو لا يعبأ إطلاقا بحقوقه السياسية ويعمل فقط من أجل تربية أطفاله حتى يكبروا.. فيزوج البنات ويشغل أولاده ثم يقرأ في الكتب المقدسة ويخدم في بيت الله حسن الختام. أما في كرة القدم، فيجد المواطن المستقر تعويضا له عن أشياء حرم منها في حياته اليومية.. كرة القدم تنسيه همومه وتحقق له العدالة التي فقدها.. فخلال 90 دقيقة تخضع هذه اللعبة لقواعد واضحة عادلة تطبق على الجميع... المواطن المستقر هو العائق الحقيقي أمام كل تقدم ممكن.. ولن يتحقق التغيير إلا عندما يخرج هذا المواطن من عالمه الضيق.. ويتأكد أن ثمن السكوت على الاستبداد أفدح بكثير من عواقب الثورة ضده!! وشعوبنا العربية الحمد لله مستقرة.. ولا تطوُّر ولا تقدُّم إلا اذا غادرت هذه الشعوب وتركت لغيرها البحث عن عناصر التقدم.. كلمة مباحة الأمة التي تزرع.. تحصد وتحقق التطور
بقلم: سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
16/04/2019
2837