+ A
A -
شهادة الوفاة هي الشهادة الوحيدة التي لا يراها صاحبها ولا تكون له علاقة بها كما علاقته بشهادة الميلاد التي تصاحبه طوال حياته، فيتقدم بها والداه إلى المدارس بمراحلها الثلاث، ثم يتقدم بها بنفسه إلى الجامعة، ثم إلى الوظيفة التي سيلتحق بها..الخ..
شهادة ما قبل الوفاة هي غالبا أوراق الخروج إلى المعاش، وهي أوراق ينتظرها البعض الذين يرغبون في راحة ربما بعد عناء، ويأنفها آخرون لما تمثله من ركون إلى بطالة لا يحبذها المجبولون على حب العمل والمعتنقون لثقافة عمل تراه حياة ونشاطا وواجبا، ولهذا يكره كثيرون - ومنهم كاتب هذه السطور - خروجا إلى تقاعد أو ما يسميه البعض خروجا إلى المعاش، لأن ذلك عناق غير محبب مع الكسل والبطالة والفراغ القاتل، ولأن الشهادة التالية شهادة إجبارية تذوقها كل نفس.
معظم مجتمعاتنا العربية التي تزيد فيها نسبة أصحاب الأعمار الغضة على أصحاب الأعمار الطاعنة تتبنى وجهة نظر تنطوي على ظلم لكبار السن، فنظرا لأن هذه المجتمعات تزيد فيها معدلات البطالة فإنها لا ترى حلا للمسألة، وفضا لهذا الخلل الديموغرافي، إلا بعدم رفع سن الخروج إلى المعاش، وإقصاء كبار السن من وظائفهم كلما أمكن ذلك، لتتوفر فرص لتخفيض البطالة ولتشغيل الشباب، فبدلا من تطوير الاقتصاد وما فيه من زراعة وصناعة وتجارة، ينحصر الحل في الدفع بكبار السن إلى مقاهي المعاشات أو إلى دور رعاية العواجيز وما شابه.
لكل ذلك تجدني تواقا دائما إلى ما يجدد شباب كبار السن، ويعيد المرونة إلى عضلاتهم إن تيبست، ودفء الحب إلى قلوبهم إن تكلست، ولا أؤجل الإشادة بجهد العلماء الذين يبذلون جهدا لتجميل حياة كبار السن، ولهذا طرت فرحا لخبر قرأته مؤخرا ويقول إن علماء يقولون إنهم وجدوا طريقة لإبطال مفعول الشيخوخة، حيث أسفرت اختبارات يجريها علماء في مستشفى مايو كلينك في ولاية منيسوتا الأميركية عن أدوية تبطئ عملية الشيخوخة، أو حتى تردها على أعقابها، وتحدثوا عن نتائج وصفوها بالاستثنائية.
ويعتقد العلماء الآن أن درء الإنسان عن تداعيات الشيخوخة سيجنبه العديد من الأمراض الخطيرة مثل ألزهايمر وباركنسون والتهاب المفاصل والسرطان والقلب والسكري، وهم يقولون إنهم وجدوا طريقة لإبطال مفعول الشيخوخة، وهذا تطور مذهل يذكرني بخبر قرأته في طفولتي حول باحثة رومانية اسمها آنا أصلان كانت تسعى في أبحاثها إلى قهر الشيخوخة، ولكنها لم تفلح في ذلك.
أعتقد أن خبر اكتشاف طريقة لإبطال مفعول الشيخوخة لا يغبطني وحدي، ولكنه من المؤكد أنه سيغبط أيضا اليابانيين والألمان وغيرهم من الشعوب التي انخفضت فيها معدلات المواليد، وزادت فيها نسب كبار السن، فإن صدق الناقل والمنقول عن الصحيفة البريطانية التي نشرت ها الخبر، فذلك يعني أننا سنقول للشيخوخة: «وداعا»، فأهلا بالموت بلا أمراض مؤلمة ولا قيود يفرضها اعتلال الصحة، وشكرا للعلماء الذين يتحفوننا بين وقت وآخر باختراعاتهم واكتشافاتهم المذهلة.
بقلم: حبشي رشدي
copy short url   نسخ
23/04/2019
1720