+ A
A -
شهدت مباريات كرة القدم التي تدور في فرنسا بمناسبة تنظيمها لفعاليات البطولة الأوروبية مشاهد عنف كبيرة خاصة في عاصمتي الجنوب الفرنسي «نيس» و«مرسيليا» حيث مثلت هذه المشاهد صدمة للرأي العام العالمي من جهة ولسكان هذه المدن من ناحية أخرى. ورغم بعض التعتيم الإعلامي على المشاهد التي أدت في بعض الأحيان إلى سقوط قتلى وإلى إغلاق أحياء بكاملها فإنها لا تزال تمثل اليوم خبرا هاما حول القدرة التنظيمية الفرنسية لمثل هذه المناسبات رغم حالة التأهب القصوى التي تشهدها المدن الفرنسية بسبب التخوف من عمل إرهابي.
مشاهد العنف عرفتها أساسا أطراف المباراة التي جمعت بين الفريقين الروسي والبريطاني على هامش الدور الأول من التصفيات الأوروبية. مشاهد العنف الرياضي شهيرة جدا في أوروبا ولا تكاد تخلو منها مقابلة من المقابلات بسبب عدد الجماهير الحاضرة من ناحية وبسبب حالة الشحن والتصعيد الإعلامي التي تسبق المباريات من جهة أخرى فتتحول معها مسابقة رياضية بسيطة إلى نوع من «الحرب الرياضية الرمزية «بين مدينتين أو بين دولتين.
العنف الرياضي ظاهرة عابرة للأوطان باعتبار العنف عامة مظهرا من مظاهر الاجتماع البشري لكن اللافت للنظر هو السعي إلى توظيف ظاهرة العنف سياسيا ومحاولة إلصاقها بهذه الدولة أو تلك أو بهذه المجموعة البشرية أو تلك. فالمشهد الأوروبي والغربي عموما يحاول جاهدا على الأقل على المستوى الإعلامي المرتبط بدوائر القرار المتنفذة أو ببعض الأحزاب السياسية المتطرفة ربط العنف بالمهاجرين. هذا الربط تطوّر من ربط للعنف بالمهاجرين بشكل عام إلى ربطه بفئة معينة منهم كما يتجلى ذلك في مجتمعات كثيرة تربط بين المهاجرين عامة أو القادمين الجدد وبين المظاهر المرضية غير السوية الموجودة في المجتمع.
هذا الوصل الذي يخص المكسيكيين أو الأفارقة في أميركا مثلا ـ أو الأفارقة والعرب في أوروبا أو المهاجرين الأسيويين في بعض دول الخليج أو حتى الأتراك في ألمانيا... ـ هو ربط تاريخي ثقافي يجد جذوره العميقة في عدة عوامل. أهمها أنّ المهاجرين حديثو العهد بالمجتمعات الجديدة وجاهلون عادة بالخصائص الثقافية والعادات والسلوكيات ونواميس المجموعات البشرية التي التحقوا بها وهو أمر طبيعي بالنسبة للأجيال الأولى من المهاجرين.
ثم تطرح من جانب آخر مسألة الخصوصيات الثقافية للمهاجرين ومحاولتهم الاندماج من ناحية في المجتمعات التي يعيشون فيها والمحافظة على خصوصياتهم الثقافية واللغوية وهو نسق دائما ما يؤدي إلى حالات من التصادم التي تتمظهر في أشكال العنف الذي يكون في بعض وجوهه دفعا لسلوكيات عنصرية في الدولة التي يعيش بها المهاجرون غالبا.
اليوم يعود نسق التشويه الإعلامي في أوروبا ليشمل المهاجرين لكن بتنصيص إعلامي أكبر على فئة معينة من المهاجرين وهم المسلمون العرب بشكل خاص.

بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
16/06/2016
1952