+ A
A -
كان برنامج الرئيس الأميركي باراك أوباما في اليابان يتضمن زيارة القاعدة العسكرية الأميركية في جزيرة اوكيناوا. وهي أكبر قاعدة عسكرية أميركية في شرق آسيا، وتشمل خمس الجزيرة. وقد احتلتها القوات الأميركية اثناء الحرب العالمية الثانية. الا انها حوّلت الاحتلال بعد توقيع اليابان معاهدة الاستسلام، إلى معاهدة تبقى بموجبها القوات الأميركية فيها، ولكن هذه المرة بموافقة الحكومة اليابانية.
غير ان الرئيس أوباما اضطر إلى عدم زيارة القاعدة تحت ضغط الاحتجاجات اليابانية الشعبية. فقبيل وصوله إلى اليابان وقعت جريمة اعتداء جديدة على فتاة يابانية عمرها 19 عاماً، عثر على جثتها بعد اغتصابها مقطعة الأوصال في حقيبة ملقاة في غابة قريبة من ملعب غولف يرتاده الجنود الأميركيون. وقد ادت التحقيقات إلى معرفة القاتل وهو جندي أميركي يدعى فرانكلين شينزاتو. وبموجب الاتفاق بين الحكومتين اليابانية والاميركية فان محاكمة الجندي الأميركي على جريمة يرتبكها في اليابان هي من اختصاص القضاء العسكري الاميركي وحده. ولذلك يشعر حاكم اوكيناوا بان الجزيرة لا تزال تحت الانتداب الاميركي.
ويقود حملة المطالبة بإغلاق القاعدة العسكرية، الحاكم المحلي في اوكيناوا تاكيش اوناغا الذي انفصل عن الحزب الحاكم لرفض رئيس الحزب ( رئيس الحكومة الحالية سينزو آبي) التجاوب معه.
لم تشكل القاعدة العسكرية الاميركية أي دعم للاقتصاد المحلي أو اوكيناوا. فالسكان المحليون يقاطعون أي تعاون معها. وبسبب وجود القاعدة فان اليابانيين يمتنعون عن السياحة فيها، مما ادى إلى انخفاض الدخل الفردي إلى ما يعادل ثلث الدخل الفردي في الأجزاء الاخرى من اليابان!!
ولذلك يتطلع سكان الجزيرة – شبه الاستوائية – إلى تصفية القاعدة الاميركية لتحويلها إلى منتجعات سياحية كما فعلت الفلبين، حيث ان أفضل منتجع سياحي حديث فيها كان قاعدة عسكرية أميركية سابقاً. ويقول حاكم اوكيناوا ان أملنا هو ان تتمكن من استبدال السياح الصينيين بالجنود الاميركيين.
غير ان الحكومة اليابانية تتطلع باتجاه آخر معاكس. ذلك ان تنامي القوة العسكرية في كوريا الشمالية وما تشكله من تهديد مباشر لليابان، وكذلك التوسع الصيني في بحر الصين والمطالبة بضم سلسلة من الجزر الصخرية التي تعتبرها اليابان جزءاً منها، يجعل اليابان بحاجة إلى الدعم العسكري الاميركي، وتالياً إلى الاحتفاظ بالقاعدة العسكرية في اوكيناوا. ويذهب التناقض بين مصلحة اليابان ككل، ومصلحة اوكيناوا إلى حد اضطرار الحكومة اليابانية إلى توسيع القاعدة العسكرية والموافقة على زيادة القوات الأميركية فيها حتى تتمكن من تشكيل قوة ردع ضد أي عدوان صيني أو كوري شمالي محتمل.
في عام 1972 انتهى رسمياً الاحتلال الأميركي لجزيرة اوكيناوا. الا ان الوجود العسكري مستمر حتى اليوم. فالتطورات السياسية – العسكرية في شرق آسيا تتطلب بموجب الحسابات الاميركية – اليابانية المشتركة توسيع القاعدة في اوكيناوا وليس ازالتها.
وبالفعل وضعت واشنطن مشروعاً للتوسعة، وافقت عليه طوكيو. ويقضي المشروع ببناء مدرج اضافي للطائرات، الأمر الذي يتطلب مصادرة المزيد من أراضي الجزيرة.. وهو ما يفجر موجة جديدة من الاحتجاجات. ويرفض حاكم الجزيرة مشروع التوسعة. وهو يراهن على ما يملكه بحكم الدستور من سلطات تمكنه من منع المصادرة. وهي سلطات تستمر حتى عام 2020. ويأمل أن يضطر الأميركيون تحت ضغط التأخير إلى البحث عن بديل آخر. غير ان بديل آخر في أي جزء آخر من اليابان، يلقى معارضة شعبية شديدة.
في آخر العام الجاري تنتهي ولاية الرئيس باراك أوباما. واذا حلّ محله المرشح الجمهوري دونالد ترامب فانه كما ألمح مراراً، سوف يسحب القوات الأميركية ويطلب من الدول الحليفة (كاليابان) أن تتولى مسؤوليات أمنها بنفسها «لأن الولايات المتحدة – كما يقول – لن تتحمل بعد الآن توفير الحماية المجانية للآخرين، سواء كان الآخرون في شرق آسيا أو في غرب أوروبة!»، أو في الشرق الأوسط!!.
قد تلقى هذه السياسة رضى اليابانيين الذين ضاقوا ذرعاً بتجاوزات الجنود الأميركيين.. ولكن ماذا عن معادلات القوى الدولية؟ وماذا عن استراتيجية الردع المعتمدة منذ الحرب الباردة.. وما بعدها؟.

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
16/06/2016
2716