+ A
A -
في كلمته أمام المجلس الفيدرالي الروسي، ذهب رئيس مجلس الأمة الكويتي، السيد مرزوق الغانم إلى أن مسببات الإرهاب وجذورها العميقة، تكمن في: اليأس والفقر وغياب الأمل وضياع الهوية والتباينات الطبقية وغياب الحكم الرشيد والقمع والظلم وشيوع خطاب الكراهية والتعنصر، وأن أول علاج للإرهاب هو الإحساس بالعدل، وأنه كامل الحقوق، لا يعاني عقد النقص والتهميش والاضطهاد.
في الوقت الذي كان الغانم يلقي كلمته، كانت جماعة التوحيد الإرهابية تضرب سريلانكا، مستهدفة كنائس وفنادق تحتفل بعيد الفصح، بتفجيرات انتحارية دموية تسقط ما يقرب ألف شخص، بين قتيل وجريح.
أسفرت التحقيقات أن هؤلاء الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم، يعتنقون فكر داعش الإرهابي، وهم من عائلة ثرية، ومن طبقة تجارية متعلمة، تحمل شهادات جامعية، لا يعاني أفرادها من مسببات الإرهاب التي شخصها الغانم، هؤلاء لا يعانون ظلماً ولا قمعاً ولا تهميشاً ولا اضطهاداً، يعيشون معيشة كريمة، فلا يعانون فقراً أو فاقة، يتمتعون بكامل حقوقهم، لا يعانون مشاعر اليأس وفقدان الأمل أو ضياع الهوية، بل فرط هوية.
ما الذي دفع الانتحاريين الثمانية إلى تفجير أنفسهم في الآخرين؟
مخطئ من يظن أن الدافع هو مشاعر الظلم أو اليأس أو الفاقة، إذ لا توجد قوة تدفع الإنسان إلى التضحية بنفسه إلا قوة العقيدة، لن يتخلص الإنسان من هذه الدنيا ليتحول إلى قنبلة مفخخة أو طرد متفجر أو حزام ناسف، إلا تحت ضغط عقيدة غلابة تزين له أن تفجير الذات قمة الشهادة والفداء، الفقر أو الظلم ليس دافعاً كافياً لأن يتحول شاب في عمر الزهور إلى قنبلة بشرية، شعوب كثيرة تعيش تحت خط الفقر ولم تنتج إرهاباً، وأخرى تعاني ظلماً ومرارة ولم تخرج إرهابيين مفجرين.
هؤلاء الذين يربطون الإرهاب بالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية يتناسون أنه لا توجد قوة محركة للإنسان للاستشهاد ونيل الجنة إلا المحرك الديني (خالد المشوح: التيارات الدينية في السعودية)
الإرهاب فكر عدواني، استقر في نفسية غير سوية، نتيجة فهم ضال لمبدأ الجهاد وعقيدة الاستشهاد، ساعدت على ترسيخه، منابر دينية مسيسة، ومناهج تعليمية تعصبية، ومنصات إعلامية محرضة، وفتاوى دينية مكفرة، وكتب تراثية إقصائية، إضافة إلى بيئة اجتماعية حاضنة لفكر الغلو.
الإرهاب: بناء فكري مستقل ومتكامل، له جذوره الممتدة في عمق التاريخ الإسلامي، كما أن له مشروعه وأهدافه في هدم الدولة الحديثة وإعادة الخلافة وتطبيق الشريعة بالمفهوم العنيف، وله منظروه وشيوخه ومفتوه وجنوده وسلاحه من النصوص الدينية والتراثية، وكتبه ومواقعه الإلكترونية المنتشرة.
الإرهاب فعل عدواني أصيل وممنهج وليس ناشئاً عن ردة فعل لمظالم أو فقدان أمل ويأس، هو مرض خبيث في الجسم المجتمعي الذي فقد مناعته الفكرية، وليس عرضاً لمرض، وما سموا بالخوارج في تاريخنا الذين سلوا سيوفهم على المجتمع الصحابي، لم يعانوا مظلمة أو قمعاً أو فاقة، لكنهم انطلقوا من عقيدة (الحاكمية) التي استولت على عقولهم، وزينت لهم تملكهم الحقيقة المطلقة وأن غيرهم على باطل. إنه عنف أصيل، بادئ بالعدوان لا تبرير له إلا (الغلو الديني) الذي نهى عنه رسولنا عليه الصلاة والسلام.
التماس معاذير سياسية واقتصادية للإرهاب، نوع من التسييس، يمد في عمره، حتى عصر المهدي المنتظر الذي يقضي على الفقر ويملأ الأرض عدلاً !
الإرهابيون، إنما ينطلقون من كراهية معمقة وليس من مظلمة مبررة، هم أبناء بررة لخطاب ثقافي ديني مشحون بكراهية عميقة لقيم ومظاهر التحديث.
أخيراً: ما أهداف الغانم من كلمته؟
أتصور أن هدفه خدمة قضية العرب الرئيسية، بتوجيه أنظار العالم إلى ما تعانيه الأراضي الفلسطينية المحتلة من مشاعر مريرة وأوضاع قمعية بائسة وظالمة، قد تشكل بيئة خصبة للإرهاب، ومع تقديري لنبل الهدف أقول: إن تسييس الإرهاب لن يخدم قضايانا..
بقلم: د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
06/05/2019
3142