+ A
A -
د. سعاد درير
في ظِلّ جنون رَحى الزمن الصعب هذه الحالفة ألا تَتركنا بسلام، بِتْنا نَسقط أَسْرَى رهبة الظلام، أسرى الخوف من المجهول، أسرى القلق الوجودي الذي يَنفخ في ناره مدى عزوفنا عن ملء خوائنا الروحي هذا الذي كثيرا ما تَخوننا تَعْبِئَتُه..
موعد يَتجدد في كل سنةٍ مرةً ها هو يَضربه لك زائر فَيَّاضٌ خيرُه وكريمتان يَداه.. موعد يَليق بك أن تتأهب للقاه وأنتَ في أبهى حُلَّة إيمانية تَصفو لها النفس وتَسعَد بها الروح..
وأنتَ تقف عند باب الشهر الفضيل، تراك تستعد خير استعداد لعملية تَطهير شامل تَستغرق مسافةَ الطريق إلى الروح قبل الجسد، تلك عملية تطهير ليس من العدل ولا من الحكمة أن نُقَلِّصَها حَدّ أن نُقَزِّمَها ونَربطها فقط بالامتناع عن الأكل والشرب لساعات معدودة..
ما يُقبِل عليه البعضُ، مِمَّنْ لا يُعطي كبيرَ اهتمام لِمَقاصِد ومَرامي رمضان، لَهُوَ الجهلُ نفسُه، ومِن التمادي في الجهل أن يَثْأَرَ لنفسِه هذا الصائمُ ويَنتقم وهو يَمسح مائدتَه مَسْحاً، فَيُلقي في بطنه كل ما اعترض طريقَ عينيه مما تَشتهيه العينُ ويَلَذّ للنفس التي يُصَوِّرُ لصاحبها عقلُه أنها عُوقِبت بالحرمان..
مَشهَد مُحْتَمَل، كهذا، تَأَكَّدْ يا صديقي أنه سيَنتهي بصاحبه إلى سيارة الإسعاف سعيا إلى إفراغ ما في معدته، مع أن العقل والمنطق يَقولان إن الإنسان سيَتَأَفَّف مِن نفسه لو جرَّبَ أن يُلقي في دَلْوٍ بِكُلّ ما الْتَهَمَه دُون مضغٍ مِن فرط اللهفة وكأن الصُّحون ستَطير أو كأنَّ الأكلَ سَيَنْقَرِض..
يَقينا ستَشعر بالتَّقَزُّز يا صديقي لو أنك أَتَيْتَ بدلوٍ أو إناءٍ كبير وأَفْرَغْتَ فيه ما يُفْرِغُه في بطنه بالْمِثل إنسانٌ يُفْتَرَض فيه أنه صائمٌ لا هاربٌ مِن مَجاعة..
ما إحساسُكَ وأنتَ تتأمل دلوا أَفْرَغْتَ فيه ما تَمَّ طحنُه طَحْناً: تمر، حليب، حساء، بيض مسلوق، عصير، قهوة، شاي، مكسّرات، لبن، خبز، فطائر، عسل، عجائن، لحم ديك رومي، لحم خروف، سمك، ماء، حلزون، حمّص، فول، عدس، طماطم، مرتديلا، جُبن، مُرَبَّى، فول سوداني، سجق، بُذور عبّاد الشمس، سلاطة خُضَرٍ، فواكه.. (أَضِفْ من عندك، فاللائحة مفتوحة)؟!
مُؤكَّد أنكَ ستَشعر برغبة في التقيؤ (أَعَزَّكَ الله) لو أنكَ تَخَيَّلْتَ هذا المشهد، لذلك فالأصل أن الصائم يُرَتِّب نفسَه لِيَصِحَّ بصومه لا لِيَمرض بعد أن يستسلم لرِمال اللهفة..
اللهفة رمال متحركة تَسْتَدْرِج البعضَ إلى قَبْرِه إن لم يَكن إلى سَريرٍ في المستشفى، لذلك علينا يا صديقي أن نَتَرَبَّى على أخلاق الصائم الذي يَزهد في الكثير مِن باب الإحساس بالمحروم والفقير.. ولْنَقْتَدِ في كُلّ هذا بسُلوك مُعَلِّمِنا الأول محمد عليه الصلاة والسلام.
نافِذَةُ الرُّوح:
- «بَرِيد القلب أَصْدَق مِن تَنَبُّؤات العَين».
- «ماءُ الحياء يُرَطِّب بشرةَ الأنثى».
- «داوِ وَجَعَ الأنا السجينة في بئر هروبها بالذوبان في الآخَر».
- «فَتِّشْ في صندوق أحزانك عن مَوْطِئ قِبلة».
- «بين التحدي والاستسلام مغامَرةٌ».
- «قلبُ الأُمّ يَتَحَسَّس الغرقَ قبل موعد الطوفان».
- «اُنْفُضْ غُبارَ لَهْوِكَ ومُجُونِكَ قبل أن تَستعرضَ عضلاتِ عصا لن تُسْعِفَكَ لِبُلوغ أعتابٍ مُقَدَّسَةٍ».
copy short url   نسخ
09/05/2019
2359