+ A
A -
انقلب السحر على الساحر، حيث اتسعت دائرة النار، وتوسعت فوق الأرض المحتلة عام 1948، وفي المناطق المحيطة بقطاع غزة والمعروفة بمستعمرات الغلاف، وصولاً إلى عمق منطقة النقب. وزاد عليها استهداف عربة مدرعة لجنود الاحتلال بصاروخ دقيق قيل إنه من نوع (كورنيت) فكانت تلك رسالة إضافية، رسالة الردع من قبل عموم أجنحة الفصائل الفلسطينية المقاتلة.
صاروخ (الكورنيت) كان مفاجأة بالفعل، حيث يُستخدم لثاني مرة في مواجهة حافلة وعربة مدرعة لجنود الاحتلال، وهو صاروخ موجه، ويحمل ميزات فنية وتعبوية عالية، من حيث الفعالية ودقة الإصابة، والرأس المتفجر الذي يحمله. الصواريخ التي انهالت على مستعمرات غلاف القطاع، فاق عددها نحو الأربعمائة صاروخ، وتم إطلاقها من قبل مختلف الأجنحة الفدائية الفلسطينية، ولم تستطع تكنولوجيا «القبة الحديدية الإسرائيلية» من اعتراض سوى نحو نصفها تقريباً وفق مدر جي الاحتلال، وقد سقطت شظاياها على منشآت مستعمرات الغلاف، حيث ثبت عملياً أن «القبة الحديدية» لن تحمي جيش الاحتلال ومنشآته من سلاح المقاومة الصاروخي.
التصعيد «الإسرائيلي» الدموي الأخير ضد قطاع غزة، يأتي بالرغم من كل الجهود التي تُبذل من قبل عدة أطراف إقليمية وحتى دولية، من أجل التوصل إلى تهدئة على جبهة القطاع. لكن صوت التطرف في «إسرائيل» هو السائد الآن، خاصة بعد نتائج الانتخابات الأخيرة للكنيست الحادية والعشرين، فاستجاب رئيس الحكومة نتانياهو لأصوات قوى اليمين واليمين المتطرف، ولصوت المتطرف المولدافي الأصل أفيغدور ليبرمان الذي يطرح ومن وقتٍ ليس بالبعيد ضرورة القيام بعملية عسكرية شاملة ضد القطاع، حتى لو اضطر الأمر القيام بعملية اجتياح واسعة واحتلال كامل لقطاع غزة. لكن حسابات الآخرين في المجلس الوزاري المصغّر (الكابينيت) قبل الانتخابات الأخيرة للكنيست «الإسرائيلي» كانت تلجم صوت ليبرمان ورئيس الأركان ومن معهما، فهناك تخوف «إسرائيلي» حقيقي من المغامرة بأي عملية عسكرية واسعة أو شاملة ضد قطاع غزة، خشية من الخسائر البشرية الكبيرة المتوقعة بصفوف جيش الاحتلال وجنوده. فضلاً عن الخشية من انفجار الوضع برمته في وجه «إسرائيل» أمام العالم بأسره، وهي التي تحاصر القطاع براً وبحراً وجواً منذ أكثر من أحد عشر عاماً خلافاً للقانون الدولي، ولشرعة حقوق الإنسان. فالقطاع مازال عملياً تحت سيطرة الاحتلال، من خلال عملية الإطباق الجاثمة عليه وعلى عموم مواطنية. إن التفاهمات التي تمت خلال الأيام الأخيرة لوقف عملية التدحرج العسكرية ضد القطاع، برعاية قنوات إقليمية مختلفة، تفترض من الرعاة أن يكونوا على قدر المسؤولية، فالخروقات الدائمة لأي تفاهماتٍ مصدرها «إسرائيلي»، عدا عن التهرب «الإسرائيلي» من تنفيذ بنود تلك التفاهمات، وخاصة منها ما يتعلق بالحصار المطبق على القطاع. ما بين جولة العدوان الأخيرة على القطاع، واستخدام المقاومة لصاروخ الكورنيت الموجه للمرة الثانية، والذي دَمَّرَ عربة مدرعة لجيش الاحتلال والرد الصاروخي الفلسطيني، ترتسم وقائع معادلة على الأرض، تفرضها إرادة المواجهة والمقاومة، وتتعزز باستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية المنشودة، وحدة الأدوات والبرنامج الوطني التشاركي بين الجميع، خاصة أن سخونة المرحلة القادمة تبدو علائمها من الآن في ظل الإصرار الأميركي على تمرير ما يسمى بــ «صفقة القرن»، التي يرفضها جميع الفلسطينيين عبر قواهم وأحزابهم وفصائلهم، من أقصاها إلى أقصاها.
بقلم: علي بدوان
copy short url   نسخ
10/05/2019
1768