+ A
A -
اليوم الخامس عشر من مايو، الذكرى الواحدة والسبعون لاحتلال فلسطين، ذكرى ما اصطلح على تسميته نكبة، ومع هذه الذكرى أقول لقد بدا العد العكسي لرحيل هذا الاحتلال البغيض، اليوم يحتفل الصهاينة بزرع جسم غريب في منطقة كانت عصية على كل الغرباء، فقد جاء الرومان إلى فلسطين ورحلوا، وجاء الفرس ورحلوا، وجاء البابليون ورحلوا، جاء التتار، والصليبيون، ورحلوا، واليوم بدا العد العكسي لرحيل الصهيونية، فهذه فلسطين لا تقبل إلا من يعرف كيف يجني الزعتر والميرمية والفقيس والسيسعة، من يعرف كيف يحرث أرضها ويرعى شجرتها.
أرى العد العكسي في عيون الجنود الصهاينة وهم يعتقلون الأطفال، وهم يصوبون البنادق إلى صدور تلميذات المدارس، وأرى العد العكسي بعد سبعة عقود والفلسطيني لم يمل من المقاومة ولم يبخل في تقديم دمه ودم أبنائه من اجل تحرير الوطن الذي ورثه عن جد سبق كل الأمم وأنشأ فيه حضارته، أرى العد العكسي حين أرى الجنون في المحاكم وهي تصدر ستين مؤبداً بحق مجاهد.
أرى العد العكسي، مع إعلان صفقة قرن ترفضها ملايين العرب، والتي حركت الشعب الفلسطيني ليتجه إلى وطنه، فالزحف إلى فلسطين بدأ، وهناك أكثر من 14 مليون فلسطيني تواقون للزحف وحين تحين ساعة الصفر سيكونون في مقدمة الزاحفين نحو فلسطين.
اليوم تحتفل الصهيونية بإقامة وطن الأمة اليهودية وسيلعن اليهود موشي هس أول الصهاينة الداعين إلى إقامة الوطن اليهودي اثر وصول ثيودور هيرتزل إلى كذبته الكبرى ان فلسطين هي الوطن القومي لليهود، ومعظم اليهود الحقيقيين يرفضون هذا الوطن، وسيلعنون بن غوريون الذي أقام لهم الدولة، وسيلعنون موشي دايان الذي احتل الضفة الغربية لتعلو إسرائيل العلو الثاني واستحق الوعد أن يرسل الله عُبَّاد له يجوسون الديار وتنتهي الدولة.
ولكن لن ننسى من تسبب في أن نعيش الحزن والألم. فوالدي ووعد بلفور ولدا في نفس العام، 1917 وكل من سأله: متى ولدت؟ يقول: في عام الوعد المشؤوم، أختي الكبرى والنكبة شقيقتان، وكل من سألها: متى ولدت؟ فتقول عام النكبة 1948 وأخي الأصغر والنكسة شقيقان، ومنذ أن جاءت الصهيونية إلى بلدي والنكبة تتلوها نكبة، والنكسة تتلوها نكسة، وشهيد سقط في الأغوار، تبعه شهيد في جنوب لبنان، وشهيد في غزة، يتبعه شهيد في جنين، وأسير من الخليل يتبعه أسير في الجليل.
اليوم رغم الأمل يوم مشؤوم مع تصادف تنفيذ وعد مشؤوم «وعد ترامب» الأشقر والد ايفانكا الشقراء، زوجة اليهودي كوشنر، اسأل الله ألا يكون هناك فلسطيني شقيق لهذا اليوم، فما أقسى أن تكون مولوداً في عام النكبة، أو فرحك في يوم النكسة، أو عام الحصار، أو عام قتل الجار للجار.
والنكبة تبوح بأسرارها، وأسرارها تكشف من «هان ومن خان ومن باع ومن اشترى»، وحكايات من جاهدوا وضحوا لتنقل الذاكرة من ارض المعركة حكاية، تقول:
«عاد المناضل من ارض معركة «العباسية» في وسط فلسطين، بعد طرد عصابات الصهاينة منها، يحمل على كتفيه بندقيتين، الأولى بندقيته، والثانية بندقية رفيق دربه الذي سقط شهيداً وتمت مواراة جثمانه في ارض المعركة حسب وصيته، كانت أسرة المناضلين تنتظرهما، وحين شاهدت البندقيتين على كتف احدهما، صرخت الزوجة، وارتفع نحيب الأم، وهي تردد الأهزوجة الشعبية الفلسطينية «طلت البرودة والسبع ما طل، يا بوز البرودة من الدم مبتل».
وكان القرار مصادرة البندقيتين، وبيعهما بثمن بخس لحفيد بلفور، وإبقاء الثوار بلا سلاح، لتسقط فلسطين بلدة بلدة، ليكون الخامس عشر عام سقوط كل المدن والقرى رغم وجود جيش عربي عرمرم.
شهداء سقطوا، بيوت هدمت، مجازر ارتكبت، أمة شردت، في وطن أسسه الكنعانيون قبل سبعة آلاف سنة، وأقاموا حضارة، وعلى مدى السنين شهدت فلسطين غزوات وهجرات إلى أن استقرت بعد الفتح الإسلامي الذي سمح لليهود والمسيحيين ولكل الأديان الإقامة في فلسطين، فمر بها كل من وطأ الثرى، من بشر، وقاومت كل من خانها وانتصرت.
فلسطين عربية ستعود، وكما رحل الرومان والبيزنطيون والفرس والصليبيون المتعصبون، ستعود ترفع الأذان في المساجد، وتقرع الأجراس في الكنائس، أوليس الصبح بقريب.
{ كلمة مباحة
سأهديك سلسلة صنعها طفل مقدسي ليقدمها هدية في يوم ميلاد جديد لمدينة الصلاة.
بقلم: سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
15/05/2019
2500