+ A
A -
في مثل هذا اليوم من العام 723م توفي عبد الملك بن مروان، كان شخصية متناقضة، يحفظ القرآن عن ظهر قلب، عالماً بالفقه والحديث واللغة، مثقفاً من الطراز الأول، سياسياً داهية، في أخلاقه رقة دوّنها المؤرخون، وفي المقابل كان شديداً، يده والسيف، وهو الذي سلَّط الحجاج بن يوسف الثقفي على المسلمين فأعمل فيهم السيف، وتوّج ذلك كله بأن قصف الكعبة بالمنجنيق وصلب عبدالله بن الزبير رضي الله عنه!
كان عبد الملك يتشوق لرؤية الشاعر الفذ كُثير عزة لكثرة ما سمع عنه، فلما دخلَ عليه كُثير، كان قبيح المنظر، قصير القامة، رث الثياب، فاستحقره عبد الملك وقال: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه !
فثارت كرامة كُثير عزة وقريحته الشعرية معاً، وقال له شعراً:
ترى الرجل النحيف فتزدريه
وفي أثوابه أسدٌ هصورُ
ضعاف الأُسد أكثرها زئيراً
وأصرمها التي لا تزيرُ
بُغاثُ الطير أطولها رقاباً
ولم تطل البزاة ولا الصقورُ
وقد عظمُ البعير بغير لُبٍّ
فلم يستغنِ بالعِظَم البعيرُ
يقوده الصبيُّ بكل أرضٍ
وينحره على التربِ الصغيرُ
فقال له عبد الملك: للهِ درك، ما أفصح لسانك، وأضبطَ جنانك، وأطول عنانكَ، واللهِ إنك كما وُصفتَ لي
وقام إليه فعانقه، واعتذر منه، وقربه إليه ورفع مجلسه!
ما بالمظاهر يُقاس الناس، ولا قيمتهم بما يملكون وإنما بما يعطون، وإنما المرء بعقله وقلبه ولسانه، لا بثيابه ومظهره ونسبه، كان بلال بن رباح يُباع قبل الإسلام في الأسواق بدراهم معدودة، ولكن كان له قلب وعقل جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: أخبرني بأرجى عمل عملته في الدنيا فإني سمعتُ دفَّ نعليكَ في الجنة!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
26/05/2019
1935