+ A
A -
تتعدد الصراعات وتتشعب الخلافات في منطقة الشرق الأوسط، تتقاطع المصالح الدولية وتتعارض الأهداف لكل فريق بما يتضمنه من أطراف دولية وأقليمية، لكن تبقى فلسطين وقضيتها هي الرابط المشترك بين كل تلك الأحلاف والمتناقضات، ما يطفو على السطح منها وما يبقى حبيس الأدراج وما يتم الاتفاق عليه من تحت الطاولة وخلف الأبواب المغلقة.
ليس من باب المصادفة أن تتزامن قمة مكة المكرمة الطارئة والتي دعت إليها السعودية وستعقد اليوم أو بالأحرى قمتان إحداهما عربية وهي الـ14 في سلسلة القمم الطارئة والأخرى على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي وهو أمر لافت للنظر، ويعقبها غدًا القمة الإسلامية العادية الـ14 والتي تعقد في موعدها المقرر سلفًا وتتسلم فيها السعودية رئاسة القمة من تركيا، وبين زيارة جاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحامل لواء صفقة القرن إلى المنطقة وتتضمن زيارة المغرب والأردن والأراضي المحتلة ولقاء حليفه نتانياهو- الواقع تحت ضغط عدم تمكنه حتى الآن من تكوين ائتلاف حكومي يجنبه الدعوة لانتخابات جديدة- وفق ما أعلنه البيت الأبيض الثلاثاء برفقة جيسون غرينبيلت الممثل الخاص للمفاوضات الدولية وبرايان هوك الممثل الخاص لشؤون إيران في الخارجية الأميركية- وهو أمر له دلالته- وبين المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده في البحرين يومي 25 و26 يونيو المقبل والذي يركز على الجوانب الاقتصادية لخطة السلام الأميركية وتشارك فيه أوساط أعمال إقليمية ودولية إضافة إلى وزراء خارجية بعض الدول التي لم تحدد أسماؤها بعد وهو أمر لافت- ربما سيتم تحديد أسماء هذه الدول طبقًا لنتائج الحدثين المتزامنين زيارة كوشنر للمغرب والأردن وقمة الورطة العربية ثم الخليجية في السعودية.
لكن قبل الخوض في التفاصيل وبنظرة خاطفة على ما آلت إليه فلسطين وقضيتها على المستوى العربي سنرصد بسهولة التراجع المستمر في المواقف العربية ومطالبها فبعد الإصرار على عودة كامل التراب الفلسطيني أو ما يعرف بفلسطين التاريخية في أربعينيات القرن الماضي، ثم خسارة حرب فلسطين 48 وقيام دولة الكيان، ثم الهزيمة الكارثية في حرب يونيو 67 وتراجع المطالب إلى قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 67 عاصمتها القدس الشرقية، إلى اتفاقية كامب ديفيد 78 وتحييد مصر- القوة العسكرية والبشرية الأكبر في الوطن العربي-، ثم اتفاقية وادي عربة 94 وتحييد الأردن- الذي يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين والوصي على المقدسات الإسلامية في القدس الشريف- والصمت السوري المستمر منذ عام 74 واستمرار السيطرة الصهيونية على مرتفعات الجولان- ثم اعتراف ترامب بسيادة الكيان عليها في مارس الماضي- ويصاحب كل هذا رفض الكيان الصهيوني المتكرر لكل مبادرات السلام بما يشبه الصفعة على وجه الكرامة العربية، واتفاق أوسلو 93 والذي اعترفت فيه منظمة التحرير الفلسطينية بأحقية الكيان الصهيوني في العيش بسلام واعترفت بدولته على حوالي 78% من مساحة فلسطين التاريخية، والمضحك المبكي في آن واحد أن الكيان الصهيوني لم يلتزم بمعظم بنود بالاتفاق وأصبحت القيادة الفلسطينية هي من تلهث خلفه وتطالبه بتنفيذها منذ ما يقارب ربع قرن من الزمان.
بالنظر لكل ما سبق يتضح أنه لم يتبق من قضية فلسطين إلا بعض الملفات والتي تقف عائقًا أمام المخطط الرامي لدمج الكيان الصهيوني تمامًا في المنطقة العربية وتطبيع الدول العربية معه- رسميًا- والذي يحمله ترامب على عاتقه ويسعى لتنفيذه بكل قوته مسخرًا كافة أركان إدارته منذ توليه مقاليد الحكم لينجح- كما يخطط ويتمنى- في تحقيق ما فشل فيه كل من سبقوه من الجمهوريين والديمقراطيين، وتلك القضايا هي القدس الشريف واللاجئين والمستوطنات لتكتمل التصفية التامة والنهائية للقضية الفلسطينية.
الهدف المعلن من القمتين العربية والخليجية وكما صرحت المصادر الرسمية السعودية- هو بحث التداعيات الخطيرة على السلم والأمن الإقليمي والدولي وعلى المنطقة إثر الهجوم الذي استهدف عددا من السفن قرابة ميناء الفجيرة الإماراتي واستهداف جماعة الحوثي لمحطتي ضخ نفطيتين بالسعودية مؤخرًا، والحادثان يعمل الحلف السعودي-الإماراتي المُحَرَضْ أميركيًا على ربطهما بطريقة مباشرة بإيران، لذا من المرجح أن يكون أحد أهم أسباب القمتين إن لم يكن السبب الرئيسي لها هو الحشد المتزايد ضد إيران والدفع بأهمية ما يتم توصيفه بالعداء مع إيران ووجوب تقديمه على ما سواه من ملفات وقضايا أخرى مما يسهل من تنفيذ بنود صفقة القرن وإتمامها، وفي نفس الوقت محاولة تحييد إيران تمامًا لحين تمرير الصفقة.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
30/05/2019
1689