+ A
A -
إنَّهُ لم يعُد من المنطِقِي اليوم ونحنُ نشهد ثورة اتصالية هائِلَة في وسائل الإعلام الجماهيرية وهي سُنَّة من سُنن الله في التدافُع الحضاري؛ أن يُفتى بمقاطعة هذه الوسائل وحِرمان الجماهير المُسلَمة من الاستفادة من مُستجِدات العصر والتِقانَة، فدور الإعلام، خاصة الإعلام الإسلامي أن يقُوم بدور الحِفاظ على خُصوصيّات الأُمَّة الإسلاميَّة العَقَديَّة والثقافيَّة، ويُفيد، باستخدام الإطار المشروع، في كُلِّ ما يُسهِم في تبليغ الدعوة ونشر وبيان الإسلام، وتوسيع آفاق المسلمين في نظرتهم إلى أنفسهم وإلى أثرهم في محيطهم القريب والبعيد، فالمسلمون أولى من تسخير كافَّة الوسائل الحديثة بما يكفَلُ من بلوغ ذروة الدعوة والتبليغ وتصحيح الصورة المشوهَة.
قارئي العزيز، اليوم يعتمد الدُعاة إلى الله والعاملون في حَقلِ الإعلام الإسلامي بشِقيه التقليدي والإلكتروني؛ على مختلَف الوسائل الإعلامية التي يُعاصرونها، وقد خرج أغلبُهُم من تِلكَ النظرة الضيقَة التي حصَروا فيها وسائل الإعلام، حينَ كانَ يرى البَعض أنَّهُ يجِب تحطيم وإلغاء وهدِم هذه الوسائل، مُعَلِلًا أنَّها وسائِلُ الشيطان وطريقٌ من طرائِق الشَرّ، والبعض كان يجد أنَّهُ يحِل المُشكلة؛ بالابتعاد عنها ومقاطعتها وعدم السماح لأُسرتِه باستخدامها أو إدخالها إلى المنزِل، ومنهُم من كانَ يدعو إلى الانسحاب من العمل في وسائل الإعلام وذلك حرصًا على المحافظة على الإيمان وتحرير ولاء المسلمين من جاهليَّة العصر الجديد.
قال اللهُ تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»، إنَّهُ في الوقت الذي كانت فيه هذه المواقف السلبية من وسائل الإعلام سائدة في صُفوف من حًملُوا على عاتقِهِم لواء نشر دين الله تعالى الذي ارتضاهُ للبشريَّةِ جَمعاء، وتبصير الأُمَّة الإسلاميَّة؛ كان أعداءُ الإسلام يستغلون هذه الوسائل لغزو المجتمعات المسلمة وإغراقها بصور ذهنية مشوهة حول الدين وأتباعه، إضافة إلى مُحاصرة وتشويه صورَة الصَحوة الإسلاميَّة والتِقاط واعتماد النماذِج الشاذَّة إلى درجة أنَّهُ بات يتسرَّب إلى أذهان الجماهير المسلمة بشكلٍ خاص وغير المسلمة بشكلٍ عام؛ أنَّ الإسلام ودُعاته هُم آفَّة الحضارة الإنسانيَّة المُعاصِرَة وأبرَز أسباب خرابِها.
وقَدّ تَغَيّر الوضعُ أخيرًا عِندما غيّر القوم ما بأنفُسِهِم، وأصبَح ألفُقهاء والدُعاة يُبيحُونَ ويُوصُون بالإفادَة من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة في تحقيق أهداف الإعلام الإسلامي التي ترتكِز على الدعوة إلى الله تعالى، وذلك على اعتبار أنَّ الدعوة الإسلاميَّة ليست دعوة محليَّة أو إقليميَّة، بل هي دعوة عالميَّة، الأمر الذي أوجب توصيلُها بهذه الوسائل التي لا يحِدُها زمانٌ ولا مكان، ذات التأثير القوي والمباشر على الأفراد والجماعات والأُمم.
{ إعلامية وباحثة أكاديمية- جامعة قطر
بقلم: خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
31/05/2019
4487