+ A
A -
من يتابع السياسة الأميركية على الصعيد الدولي يلاحظ بأنها تعاني من الاضطراب والارتباك والتردد، فهي من ناحية تصر على الاستمرار في فرض الهيمنة على الدول، إن كان على خصوم الولايات المتحدة أو على حلفائها واصدقائها، ومن ناحية ثانية تعاني من مأزق العجز في تحقيق ذلك وتشهد هيمنتها المزيد من التراجع، نتيجة التغييرات النوعية الحاصلة في موازين القوى العالمية على المستويات العسكرية والاقتصادية والتي تحد من قدرة الولايات المتحدة على شن الحرب وتجعل الإقدام عليها مكلفا جدا ويترتب عليه تداعيات وعواقب خطرة، وفي نفس الوقت تحول دون استمرار تسيدها على عرش العالم واحتفاظها بالسيطرة الأحادية على القرار السياسي والاقتصادي في العالم..
يتجلى ذلك بشكل واضح في السياسات التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منذ وصوله إلى البيت الابيض في واشنطن، حيث يسعى جاهدا لاستعادة هيبة وسطوة بلاده على المسرح الدولي، لكن عبر الانقلاب على القرارات الدولية والالتزامات الأميركية في الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت عليها، إن مع روسيا أو مع إيران، والعودة إلى سياسة الحمائية المتعارضة مع العولمة وقوانين منظمة التجارة الدولية التي كانت أميركا وراء التشجيع عليها لإزالة الحواجز الجمركية وكل القيود التي تعيق حركة التبادل التجاري وانتقال الأفراد ورؤوس الأموال.. معلنا الحرب التجارية ضد الخصوم والحلفاء على السواء عبر رفع الرسوم على المواد والسلع التي تدخل إلى الولايات المتحدة.. مما تسبب بردود مماثلة على اجراءاته، وبالتالي إلحاق الضرر الاقتصادي بالجميع.. ولأجل محاولة فرض اتفاقيات جديدة للتبادل التجاري، وتعديل اتفاقيات مثل الاتفاق النووي مع إيران، بما يحقق المصالح والاهداف الأميركية الاقتصادية والسياسية، لجأ ترامب إلى استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضد الصين وتركيا والاتحاد الاوروبي وكندا والمكسيك وروسيا وايران..الخ.. وطبعا يستفيد ترامب في هذه الحرب الاقتصادية من عناصر قوة لا زالت الولايات المتحدة تتفرد فيها، وهي تقدمها التكنولوجي وهيمنتها على النظام المالي الدولي من خلال تحكمها بنظام التحويلات بالدولار عبر البنك المركزي الأميركي، وبالتالي قدرتها على فرض عقوبات ضد الدول والشركات العالمية التي ترفض الالتزام بالعقوبات الأميركية التي تفرضها مثلا على إيران والصين، وطبعا الدول والشركات التي لها مصالح تجارية كبيرة مع الولايات المتحدة ستكون مضطرة إلى الالتزام بالعقوبات، وهو ما تجسد في وقف نشاطها الاستثماري في إيران، وعدم التعامل مع شركة هواوي الصينية..
لكن مع ذلك فإن واشنطن تواجه مشكلتين كبيرتين في الاستمرار في مثل هذه الحرب الاقتصادية، الأولى، إن الدول الأخرى التي تتعرض للعقوبات الأميركية تملك القدرة على الرد وإلحاق الخسائر بالاقتصاد الأميركي وان ليس بنفس النسبة التي تلحق بها، وهو ما دفع الشركات الأميركية المتضررة من حرب رفع الرسوم المتبادل بين واشنطن وبكين وكذلك المزارعين الأميركيين وغيرهم من الفئات الأميركية إلى رفع الصوت بمطالبة إدارة ترامب بمراعاة مصالحهم وعدم الاستمرار في هذه الحرب التي تلحق بهم خسائر كبيرة.. وهم غير قادرين عن الاستغناء عن سوق الصين الكبيرة وان وجدت بدائل عنها فإنها ستكون مكلفة عدا عن أنها لن تعوض خسارة سوق الصين..
(يتبع)
بقلم: حسين عطوي
copy short url   نسخ
01/07/2019
1561