+ A
A -
إنَّ تجديد الخِطاب الدينِي الإسلامي ليس قضيَّة حديثة المنشأ، فهذا الخِطاب ظَلَّ فتراتِ طويلَة من حياة الأُمَّة الإسلاميَّة خِطابًا داخِليًّا، يبتعِد كُلَّ البُعد عن رُوح العالميَّة التي يمتازُ بِها الإسلام، كما أنَّ الخِطاب الدِينِي المُعاصِر اعتمد على أساليبٍ ووسائِل أثَّرَت سَلبًا على مسار تقديم الصورة الصحيحة للإسلام والدعوة إليه، فهذا الخطاب المُعاصِر اتسمَ بالسلبيَّة والذاتيَّة والنظرَةِ الأُحاديَّة والجُزئيَّة، ولم يقُم نهائيًا بدوره الصحيح في التفاعُل مع هموم وتحدِّيات الأمَّة الإسلاميَّة والتعاطِي مع مُتغيِّرات الوضِع الدولي السائدة. كما أنَّ مُعظم الأوعيَة الإعلاميَّة الاتصاليَّة التي تُعَرِّف بالإسلام مثل الكُتيِّبات والمطويِّات وغيرها لا تٌقدِّم الدين الإسلامِي من منظُور مَبنِي على قِيَم الإسلام الإنسانيَّة، وإنما تُقدِّمهُ في أنماطٍ تقليديَّة، حيثُ أنَّ أغلب هذه الموادّ الإعلاميَّة الاتصاليَّة المنشورة في فضاء الإعلام التقليدي والجديد تٌقدِّم الإسلام، لِمَن يُفتَرَض أنَّهُ يتصِل بهذا الدين لأوّلِ مرّة ويبحثُ عن إجاباتٍ مُقنِعَة لما يُعانِيهِ من صِراح داخِلي وخَواء رُوحِي، على الشكل النمط التقليدي التالي: «الإسلام هو الاستسلام لله، والانقيادّ لهُ، وأركانُهُ خمسَة وأركان الإيمان سِتَّة...إلخ»، الأمر الذي زاد من الفجوَة بين مُرسل الرسالة وهو القائم على الإعلام الإسلامي التقليدي والجديد وبين الجمهور العالمي الذي يستهدفهُ بهدف الدعوة إلى الدين الإسلامي.
قارئي العزيز، إنَّ عقائِد الإسلام هي الثابِت الأوّل في الخِطاب الدِيني الموجّه لكُل الأمم والجماهير العالميَّة، والمقصُودِ بها، الإيمان بالله عزَّ وجَلّ، وملائكتُه وكتُبُه ورُسُلُه واليومِ الآخِر والقَضاء والقَدَر خيرِه وشَرِّه والاعتقاد بالحياة بعدَ الموت والحِساب والعِقاب، أمَّا الثابِت الثانِي في هذا الخِطاب فهو أركان الإسلام الأساسيَّة، ويُقصَدُ بها، الشهادتان، والصلاة والزكاة وصومُ رمضان، وحَجُّ البَيتِ لِمَن استطاعَ غليهِ سَبيلًا، أمَّا الثابِتُ الثالث في الخِطاب الدِيني الإسلامِي فهو ما بانَ بيانًا قطعيًا في الشريعَة الإسلاميَّة من حلالٍ وحرام، وأمرٍ ونَهِي، وتجدُر الإشارة إلى أنَّ الثبات في المضمون لا يعني الثبات في طريقَة تقديم وعَرض هذا المضمون، فالثابِت في الخِطاب الدِينِي يختلِفُ عرضُهُ من زمنٍ لزمنٍ آخر، ومن بيئة لبيئة أُخرى، ومن جمهورٍ لغيره.
أمّا المُتغيِّر في جوهَرِ الخِطاب الدِينِي فهو ما يتعلّقُ بالخِطابِ الثقافِي والفِكرِي والفَلسَفِي والسِياسِي العامّ الذي أنتَجَتهُ ولا زالَت تنتجُهُ الحَضارة الإسلاميَّة على مَرِّ العُصُور مستنِدَةً فِيهِ على المرجعيَّة الإسلاميَّة العامَّة، فالخِطاب الدِينِي قابلٌ للتجديد في ألفِقه والقانون والتربيَة ومناهِجِها والفُنونِ ومشارِبِها، وعِلاقَة المسلمين بالآخر الدِينِي والحَضارِي وغيرها. فالتُراث الإسلامِي إذَن ليسَ مَعصُومًا على الإطلاق، فالتجديد في الإسلام مطلبٌ شرعِيّ، وقد أشارَ إلى ذلك النبي الكريم صَلّى اللهُ عليهِ وسلّم، حينَ قال: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا».
{ إعلاميَّة وباحثة أكاديميَّة- جامعة قطر
بقلم: خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
12/07/2019
2941