+ A
A -
أصدر مركز الخليج لسياسات التنمية بمملكة البحرين، إصداره السنوي السابع (الخليج بين الثابت والمتحول - المواطنة في تيارات الخليج) يوليو 2019.
يأتي هذا الإصدار الهام لهذا العام في وقت تواجه فيه المواطنة في الخليج، تحديات صعبة: تحديات داخلية تهدد الوجود الخليجي، وتسعى إلى تقويض وتصدع كيانه التعاوني الذي أنشئ قبل 28 عاما، ونحرص على دعمه وستمراره، هناك الأزمة الخليجية المتصاعدة بين قطر وجاراتها الخليجيات، تصدر حملات التحريض المتبادلة، وتعمل وسائل التواصل الاجتماعي التي يفترض بها أن تكون للتواصل، على تغذية النزاعات والفرقة، وتعميق مشاعر الكراهية في النسيج المجتمعي الخليجي، يصاحب ذلك هدر متزايد للمال الخليجي من قبل أطراف النزاع في سياسات (الكيد) لبعضها، والتمادي فيها.
أما التحديات الخارجية، فإن منطقتنا تشهد تأزماً خطراً ومتصاعداً بين جارتنا على الضفة المقابلة إيران، وحامية المصالح الدولية، حليفة الخليج أميركا، يفاقم مشاعر قلق الخليجيين ويحسسهم أنهم يعيشون على صفيح ساخن أو بركان ينذر بالانفجار.
لكل هذا، يخلص الإصدار إلى أن كل هذه المظاهر المتأزمة، ما هي إلا تجليات للمواطنة المتأزمة منذ استقلال دول الخليج وتآسيس الدولة الوطنية، وطبقاً لعمر الشهابي، مدير المركز والمحرر العام للإصدار «المواطنة تعد من أكثر الكلمات المتداولة في الشأن العام، إلا أن الكثير من الإبهام واللغط يدور حولها، سواء في خطاب وسلوك التيارات السياسية، ذات التوجه الإسلامي أو المدني، أو لدى متخذي القرار في المنطقة». ويضيف: نأمل أن يساهم هذا الإصدار في تفعيل النقاش حول المواطنة لدى التيارات السياسية والمواطنين ومتخذي القرار، انطلاقاً من أن تصحيح الخلل السياسي (غياب المشاركة الشعبية الفعالة في اتخاذ القرار) هو المفتاح لمواجهة أوجه الخلل المزمنة الأخرى (الخلل الأمني، والسكاني، والاقتصادي) في دول مجلس التعاون.
العوامل التي تساهم في إضعاف المواطنة:
أولاً: إحياء قيم ما قبل الدولة الوطنية: المواطنة مفهوم شامل وجامع لكل المواطنين على حد سواء، لكن المجتمع الخليجي لا يزال محكوماً بقيم زمن النزاعات والولاءات القبلية والطائفية وروح الفزعة والتفاخر بالأنساب والأصول. وفي ظل طغيان الهويات الأدنى (القبلية والطائفية)، فإن المواطنة الحاضنة للمكونات المجتمعية (أساس الدولة المدنية الحديثة) تصبح مهمشة.
ثانياً: الخلل التمييزي المتسرب في التشريعات الخليجية: لا زالت التشريعات الخليجية وبخاصة (قانون الجنسية) تمايز بين المواطنين وتصنفهم درجات: أصليين ومجنسين، كما تحرم فئة ممن ولدوا ونشأوا وتعلموا في الدولة من الجنسية، وتفرق بين الآب والأم في نقل الجنسية للأولاد، تبيح للأب وتحرم الأم، في تمييز غير مبرر، مخالف للدساتير الخليجية نفسها، ومناقض لمواثيق حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها والتزمت بها أمام المجتمع الدولي.
ثالثاً: غياب المشاركة الوطنية الفاعلة في اتخاذ القرار: نتيجة لعدم فعالية المؤسسات السياسية القائمة، وهامشية دور منظمات المجتمع المدني الخليجي، ونخبوية التيارات السياسية الخليجية وافتقادها القاعدة الشعبية، وضعف رقابة الرأي العام الوطني.
ختاماً: ما أحرى دول الخليج أن تنصف أبناءها ممن ولدوا في أرضها وترعرعوا في أحضانها وتعلموا في مدارسها، وبخاصة ممن أمهاتهم مواطنات، هؤلاء تشربوا ثقافة أهل الخليج، ورضعوا والولاء والانتماء، ليس لهم وطن سواها! أبناء المواطنة يستحقون لفتة كريمة من دولنا.
ما ضر الخليج، وقد أنعم المولى عليه، بضم هؤلاء الأبناء الأعزاء إلى أحضانه (عدلاً أو تفضلاً) ليكونوا جنوداً مخلصين يخدمونه في السراء ويفدونه في البأساء؟ إلى متى تظل الكويت مستهدفة من المنظمات الحقوقية الدولية، بسبب قضية (البدون)؟! أجدر بها إصدار تشريع حازم ينهي القضية للأبد، ومتمنياً على بلادي قطر أخذ زمام مبادرة السبق خليجياً، بإصدار تشريع ينهي التمييز بين المواطن والمواطنة في حق نقل الجنسية للأبناء، ويلغي النص الذي يورث التجنيس لأبناء المجنس المولودين في الوطن.
بقلم: د.عبدالحميد الأنصاري
copy short url   نسخ
15/07/2019
3066