+ A
A -
تشهد الدول الغربية بين الفينة والأخرى عمليات عنف دموية يقوم بها أفراد أو جماعات منتسبة إلى الإسلام وتستغلها آلة الدعاية الغربية لتشويه هذا الدين وتحميله كل الخطايا وربطه بمقولة الإرهاب، وبعيدا عن التوصيفات «الاخلاقوية» التي تدين في جوهرها كل فعل عنيف يستهدف المدنيين مهما كانت خلفياتهم الفكرية والعرقية والدينية فإن السؤال المركزي الذي ما ينفك مسيطرا من أين يستمد فعل العنف استمراريته؟ ولماذا فشلت محاولات إدماج الأقليات الإسلامية وتذويبها في المجتمعات الغربية؟ وأين تكمن الأزمة البنيوية في التعامل مع ما يسمى إرهابا بالنسبة للدول الغربية؟
بداية يمكن القول إن الصراعات الكبرى في عصرنا لا تعود أساسا لخلافات دينية ولذلك فإن الأديان تجد نفسها في موقف يصعب معه أن تتمكن من حلها دون أن يعني هذا غياب المؤثر الديني في الصراعات القائمة وهو أمر لا يتعلق بدين بعينه بقدر ما يشمل غالبية الأديان التي تتجاذب الساحة العالمية. فالأصولية تنشأ في وضع تاريخي محدد وهي تعبير عن مقاومات مختلفة لنموذج مهيمن يحاول فرض رؤيته القيمية للعالم عبر آليات العنف والسيطرة.
إن النظام الغربي عبر سلطويته القصوى هو الذي يخلق الظروف الموضوعية لردود الفعل القاسية والعنيفة حيث لا يجد البعض في غير الإرهاب أداة لإثبات الوجود أو الدفاع عما يعتقد أنها هويته المهددة ورموزه الدينية التي يتم المس بها والاعتداء عليها. لقد تحول النظام العالمي إلى أداة قهرية تجمع بين ازدواجية غريبة فبينما يتم التبشير بمنظومات قيمية كونية قوامها الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، نلاحظ عل مستوى الممارسة أن القوى الغربية لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها الأنانية وتتحدث عن القيم بمكاييل مزدوجة تتضرر منها الشعوب العربية والإسلامية وهو أمر يمكن استنتاجه بسهولة من خلال المواقف الغربية من القضية الفلسطينية أو مما يجري في سوريا أو بورما أو إفريقيا الوسطى.
إن حالة الإحباط التي يشعر بها بعض المسلمين والناجمة عن إفشال الخيارات الديمقراطية في مجتمعاتها وفشل نماذج التنمية المحلية المفروضة غربيا بالإضافة إلى نموذج الهيمنة السياسي والثقافي الذي تبشر به العولمة ويحرص الغرب على الترويج له قد خلق مقاومات مختلفة لا يمكن ضبطها أو السيطرة عليها وكما يؤكد «جان بودريار» فإن الغرب هو الذي صنع قواعد اللعبة وطورها «لقد جمع كل الأوراق بين يديه فألزم الآخر بتغيير اللعبة وتغيير قواعد اللعب... ففي مواجهة نظام (عالمي) يطرح إسرافه في استعمال القوة تحديا لا مساومة فيه يجيب الإرهابيون بعمل تكون المساومة فيه بحد ذاتها منعدمة ومستحيلة» فالإرهاب لا يطرح بديلا أيديولوجيا بقدر ما هو بصدد توجيه رسالة دموية قوامها أن ثمة أطرافا تضررت بفعل السياسات الغربية وأن ما ينبغي القيام به هو البحث عن أسباب الأزمة التي يعاني منها المسلمون بشكل أكثر وعيا.
وفي ظل الشعور بقوة الهيمنة التي يمارسها الغرب اقتصاديا وعسكريا وقيميا يتضاعف الشعور لدى المسلمين بضرورة أن يكون لديهم نظام خاص بهم مستقل عن مراكز القرار الغربي ويميزهم عن الآخر ويثبت شعورهم بهويتهم المميزة ويزداد هذا الإحساس لدى المسلمين الذين تضطرهم ظروف حياتهم للإقامة في المجتمعات الغربية ولهذا ليس من المستغرب أن ينضم كثير منهم إلى الجماعات الأصولية الأكثر عنفا وتطرفا.
إن الإرهاب هو صناعة غربية أولا وأساسا عبر سياسات طويلة الأمد تجد جذورها في تاريخ الاحتلال الغربي للمنطقة العربية الإسلامية والرغبة الدائمة في حشر الإسلام والمسلمين في زاوية العدو وهو ما يخلق شعورا لدى بعض المسلمين بالتهديد ويفضي إلى ظهور ردود أفعال لاعقلانية وتصرفات عدوانية عنيفة وإذا اعتبرنا أن الأصولية ذاتها هي رد فعل إنساني لموقف تاريخي محدد فمن غير الممكن أن نتوقع أن تفقد أهميتها وتأثيرها بل وظهور نتوءات عنيفة من خلالها ما لم يتبدل الموقف الغربي من المنطقة تبدلا جذريا.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
21/06/2016
2304