+ A
A -
دائمًا ما يختار أي نظام حكم مهما كانت صفته وكينونته، المسؤولين الذين يعبرون عنه ويعملون على تنفيذ أجندته الداخلية والخارجية على كافة المستويات، ودائمًا ما تكون الحكومات خصوصًا في ظل الأنظمة العسكرية على شاكلة النظام الانقلابي في مصر مجرد انعكاس للنظام في المرآة تنحصر كل مهمتها في تملق رأس النظام وتجميل صورته أمام نفسه قبل الآخرين، وتكون الحظوة والمنزلة مرتبطة بمدى مقدرة هذا المسؤول أو ذاك على التحول لما يشبه موظف العلاقات العامة الذي ينفذ ما يطلب منه ويلتزم التزاما حرفيا بما يأتيه من أوامر وقرارات من داخل أقبية الأجهزة الأمنية والمخابراتية وهي الجهات المسيطرة والمتحكمة في كل صغيرة وكبيرة تخص الحكم والإدارة.
في نفس اليوم المواكب لذكرى حركة 23 يوليو 1952 التي وضعت اللبنة الأولى للدولة العسكرية وورث فيها ضباط يوليو أسرة محمد علي وعلى الجانب الآخر من العالم في كندا، كانت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج نبيلة مكرم عبيد في اجتماع مع أفراد الجالية المصرية للاحتفال برفع العلم المصري فوق برلمان أونتاريو إثر قرار بتخصيص شهر يوليو للاحتفاء بالحضارة المصرية، وخلال الاجتماع المنتقى حضوره بعناية من شخصيات مؤيدة للنظام الانقلابي وهذا الاختيار يكون متبادلا بين الطرفين، فأي معارض للنظام لن يكلف نفسه عناء حضور مثل تلك اللقاءات التي تنحصر أهدافها في تلميع النظام الانقلابي وفلتة زمانه وأعجوبة عصره طبيب الفلاسفة عبدالفتاح السيسي هذا إن تمت دعوته من الأساس وهذا لن يحدث فقائمة المدعوين تحددها السفارة في البلد محل اللقاء وعندما يتعسكر النظام تصبح السفارات بمثابة فروع دولية للمخابرات وأمن الدولة بشكل أساسي مهمتها رصد أي صوت أو حدث معارض للنظام وتأتي الواجبات الدبلوماسية في المقام الثاني أو الثالث، وهذا ديدن اللقاءات من هذا النوع فمقياس حضورها والدعوة لها محكوم بقاعدة «إحنا شعب وانتو شعب»، ويبدو أن الوزيرة كانت مطمئنة للحضور فهم من شعبهم المختار وبالتالي لا داعي للرسميات والتعامل بناءً على مقتضيات منصبها كمسؤول رسمي في الدولة تخضع كل كلمة وحركة تقوم بها للرصد والتدقيق والتأويل، وبما أن الجلسة كانت ودية فقد تخلت عن الحذر وتمرير كل كلمة تنطق بها للفلترة على غرار رأس النظام الذي تمثله الجنرال السيسي فاندفعت في وصلة مستهلكة سأم الجميع سماعها المؤيد قبل المعارض عن كون مصر بلدنا جميعًا ولا يوجد لدينا بلد غيرها وهي من تحتوينا مهما اغتربنا عنها ولا نتحمل أي كلمة عليها ومن يقول كلمة عنها ويسيء إليها ماذا يحدث له؟ يتقطع مع إشارة قطع الرقبة كما ظهر بوضوح في الفيديو المسرب للاجتماع والذي تم تداوله على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعي وتناقلته وسائل الإعلام، وسارعت هي بمحاولة نفي أن يكون هذا التصريح الدموي متعمدًا وأن كلماتها تم تحريفها واجتزئت من سياقها وقالتها على سبيل التكلم بعفوية وبساطة وفي معرض دفاعها عن نفسها قالت في اتصال مع إحدى محطات التلفزة الموالية للانقلاب في مصر إن من سرب الفيديو وقام بتحريفه صحفي مصري يعمل في قناة الجزيرة القطرية ولا أدري ما علاقة هذا بمحتوى الفيديو الصحيح ليأتي هذا التبرير العجيب بمثابة النفي الذي يثبت ويؤكد مقصدها العنيف ولا يبعدها عنه، لكنه يعبر عن النظام البائس الذي روج واختصر أعداء الدولة في مخيلة مؤيديه ضمن قائمة محددة تضم قطر والجزيرة وتركيا والإخوان قد تضاف وتحذف أطراف أخرى حسب الحاجة لكن يبقى الرباعي المذكور هو عصب القائمة الذي لا يتغير.
تصريح نبيلة مكرم عبيد جاء في سياقه الطبيعي ويعبر بوضوح وبساطة عن ماهية النظام وسلوكياته ومنهجيته، البلطجة هي أسهل طريق لفرض رؤية النظام والتهديد والوعيد هو الاتجاه المفضل لفرض رأيه، التطبيل للنظام هو مقياس الوطنية والانتماء، قطع الرقبة فعليًا ومجازيًا ومعنويًا هو الطريقة المثلى والمفضلة لاستهداف معارضي النظام ومحاولة إسكاتهم ومساومتهم، يتساوى في تلك الطريقة والمنهجية جميع منتسبي النظام من الوزير إلى الغفير، نادية مكرم عبيد وتصريحها لن يكونا بالشيء الغريب أو المفاجئ لو قمنا بوضعهما في مكانهما الطبيعي والملائم ومن وجهة نظرها اليقينية هي وكافة أفراد المنظومة الحاكمة، تلك المجموعة دمجت في عقولها وأفعالها وخدمة لمصالحها الشخصية والطبقية الوطن والنظام في بوتقة وكيان واحد غير منفصل، فالوطن متجسد في النظام ولا وجود للوطن بدون النظام.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
25/07/2019
1773