+ A
A -
انتشر خلال الأيام الماضية خبر يقول «إن رئيس النظام السوري والحكومة السورية طلبت من الأمم المتحدة إعادة تقييم الأوضاع في سورية واعتبارها بلدا آمنا، وعليها مساعدة اللاجئين على العودة إليها، بعد أن سلم السوريون الأمم المتحدة قرائم بأسماء مائتي ألف سوري لاجئ زالوا سوريا خلال السنوات الماضية». وكالعادة، تفاعل الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي وانتشر بسرعة قياسية بين السوريين، الذين اعتبر بعضهم أن هذا الأمر بمثابة الإخطار الأمني من قبل النظام للأمم المتحدة ودول اللجوء لترحيل اللاجئين الموجودين في اللائجة المقدمة، حيث تنص قوانين اللجوء الأوروبية على منع صاجب اللجوء من زيارة بلده الأصلي، باعتبار أن طلب لجوئه قد تم قبوله لغرض الحماية من العنف الواقع عليه أو كان من المحتمل أن يقع لو أنه بقي في بلده، وبالتالي فزيارته إلى بلده دون أن تكون الأوضاع السياسية قد تغيرت تعني أن الخطر قد زال عنه، ولا لزوم لحمايته، فيتم كسر لجوئه وإعادته من حيث جاء.
والحقيقة أن خبرا كهذا يفتح الأمر على سؤال اللجوء السوري، ومن هم طالبو اللجوء إلى دول أوروبا وأميركا، وكيف تم ذلك، وما الآليات التي اعتمدت في قبول طلبات اللجوء، وما الحكايات والقصص التي قدمها السوريون في طلباتهم، إذ يجب أن يقدم طالب اللجوء حكاية ووثائق تثبت تعرضه للخطر في بلده الأصلي في حال عودته إليها، وهو الشرط الأول لقبول طلب اللجوء السياسي أو طلب الحماية، أما إجراءات سحب وثائق السفر الرسمية الأصلية ومنح وثائق بديلة فتتبع قوانين كل بلد على حدة. فمثلا، فرنسا تسحب جواز السفر السوري مباشرة لدى الموافقة على طلب اللجوء وتعطي جوازا مؤقتا، وتمنع اللاجئ من دخول حتى سفارة بلده، بينما ألمانيا مثلا لا تفعل هذا، ولا السويد، وهو ما يترك مساحة من عدم احترام قوانين اللجوء لدى اللاجئ، أو لنقل أنه يكشف مساحة البروبغاندا التي اعتمدها لاجئون ما أثناء تقديم ملفاتهم، وهذا بدوره يصب في مصلحة الأسد، الذي يقول دائما إنه لم يحارب سوى الإرهابيين، فهاهم السوريون الذين يقول العالم عنهم إنهم هربوا من ظلم الأسد يزورون سوريا دون أن يتعرضوا لمكروه من قبله! وهوأيضا يصب في مصلحة اليمن المتطرف الأوروبي الذي يعادي اللاجئين، ويطالب بتغيير قوانين اللجوء، إذ يمكن لأي حزب أوروبي يميني أن يستشهد بلائحة النظام السوري الأخيرة كدليل على العشوائية التي تمت بها قبول طلبات اللجوء، خصوصا أن العديد من اللاجئين يعيشون على المساعدات الحكومية والتي هي جزء من الضرائب التي يدفعها حاملوا الجنسيات الأوروبية، وهو أمر يشمل جميع اللاجئين من كل الدول لا السوريين فقط.
ورغم أن البحث عن حياة كريمة وآمنة هو حق تكلفه كل الشرائع الإنسانية، إلا أن ثمة سؤال أخلاقي لا يمكن تجاهله في حالة اللجوء السورية: كيف يمكن لمن لا خطر على حياته في سوريا، أو لمن يوالي النظام السوري أو يصطف معه، أن يقدم طلب لجوء مدعما يوقائع مختلقة أو وثائق مزورة عن تعرضه للاضطهاد من قبل الأسد أو من قبل الكتائب الجهادية، وهو يخطط لزيارة سوريا ما أن يحصل على أوراق لجوئه وإقامته؟! أو كيف يتمكن آخرون من التحايل على قوانين اللجوء وزيارة سوريا دون أن يشعروا بأي نوع من أنواع تأنيب الضمير؟! ألم يأخذ هؤلاء فرص اللجوء لسوريين مضطهدين فعلا ودفعوا أثمانا باهظة في سبيل حرية سوريا وكرامة السوريين؟! ألا يساهم هؤلاء في تحسين صورة نظام السد لدى الرأي العام العالمي الذي يسعة أساسا لإعادة تدوير هذا النظام وتطبيع العلاقات معه من جديد؟!
يقينا أن الحديث عن ملف اللجوء السوري شائك وطويل جدا، بدءا من لحظة التفكير باللجوء وليس انتهاء بالاندماج بالمجتمعات الجديدة، ويقينا أيضا أن التعميم فيه ظلم لكل اللاجئين السوريين، سواء أكان التعميم بأن الشعب السوري اللاجئ هو شعب عظيم، أو التعميم المعاكس عن أن هذا الشعب اللاجئ هو شعب سيء، فالسوريون مثل غيرهم من باقي الشعوب مختلفون ومتنوعون، غير أن رقم المئتي ألف زائر لسوريا من اللاجئين خلال السنوات القليلة الماضية، إن كان صحيحا فعلا هو فضيحة قد تكون لها نتائج كارثية على اللاجئين السوريين عموما، خصوصا مع تصاهد النزعة اليمينية الشعبوية في العالم كله.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
06/08/2019
1990