+ A
A -
برحيل المعلمين الكبار في النقد الفني، بتنا في حاجةٍ ماسّةٍ إلى جيلٍ مثقَّفٍ ممن حباهم الله موهبة الفِراسة في النَّص أو العمل الفني، وراحوا يبدعون لنا أنواراً كاشفةً تضيء الطَّريقَ للتَّعرُّف على اللآلئ والدانات المخبوءة في العمل الفني.
والناقد المعلِّم هو الذي يأخذ بك إلى جماليات العمل الفني: شعراً كان أم قصةً، أم روايةً، أم تشكيلاً فنياً بالألوان والخلفيات، وتشابك الشخصيات والظلال، هو الذي يتَّكئ على زادٍ وافرٍ من الثقافة الموسوعية العريضة، ويفرز لنا من النصِّ رؤيةً تتبدّى لديه واضحةً مجلوَّةً.
أنور المعدّاوي كشف لنا عن موهبة فدوى طوقان، ورجاء النقاش قدم لنا الطيب صالح، وأضاء على شعراء الأرض المحتلة، والسوداني محي الدين محمد عرّفنا بواحدٍ من أجمل شعراء العصر: بدر شاكر السيّاب، والفلسطيني إحسان عباس عرَّفنا على أحد أعظم روائيي القرن الماضي الأميركي: هيرمان ميلفل صاحب موبي ديك، والجزر الموحشة (التي نقلها للعربية محي الدين محمد)، هذا إضافة إلى المعلمين الكبار كطه حسين الذي جلا لنا جماليات الأدب اليوناني والنص العربي كما فعل دريني خشبة ومن بعده صقر خفاجة في تعريفنا بالأساطير الإغريقية، وكذا كتابات الجميل لويس عوض، وعلي الراعي وشكري محمد عياد، وعز الدين إسماعيل، وغيرهم.
غير أننا في هذا المجال -تحديداً- وفيما يمكن أن أسميه «النقد التعليمي»، لا يمكن أن أغفل فضل أستاذيْن ناقديْن هما: محمد مندور في رائعته «نماذج بشرية»، وعبد المحسن طه بدر في تسليطه الضوء على أدباء الستينيات، وتحديداً الروائي عبد الحكيم قاسم الذي لم ينل ما يستحقه من الاهتمام والتركيز، وهو صاحب «أيام الإنسان السبعة» و«قدر الغرف المقبضة» وغيرهما من أعماله الروائية التي تقف شامخةً ومتميزةً في حقبةٍ تعتبر ذات خصوصية فيما يعرف بأدب الستينيات.
وعملية النقد يجب أن تخلو من أية مؤثراتٍ خارجيةٍ، فحينما أشير بالاستحسان أو الاستهجان حيال عملٍ فنيٍّ، فيجب أن أكون متجرِّداً عن توجُّهات صاحب العمل.
حالياً وحينما يتاح لي أن أقرأ نقداً أو دراسةً عن إبداعٍ فنيٍّ، أشعر في الغالب الأعم، وكأن الناقد يجلد لنا النص، بعكس رؤية ورؤى المعلمين الكبار التي تتركز في تسليط الضوء على ما في العمل الفني من جماليات لا تدركها إلا العين الناقدة.
بقلم: حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
06/09/2019
1617