+ A
A -
كانت تتلاعب كريح حتى تنهج كتربة أنهكها الحصاد. كانت تعلق بطرف ظلي من الظهيرة حتى العصاري ثم تبكي حين تعشى عن شبح الظلال في الغروب، ثم تمسي فتغفو كشمس المغيب لتتثاءب كالمساء، فترقد كالليل في مخدعها ليستريح السحر على حافة أحلامها.
وبعيد إرهاصات الولدنة تلك، يستيقظ الفجر على جبينها ليوضئها بالندى مهديًا الكون ركعتي صبح ومفاتيج الفرج.
تكبر صغيرتي وتشب مع أختها ويتراءي لإحداهن الصوم عن بعض الفاكهة، فتعلن بإباء: لست من أكلة التفافيح
وحين أحاول التصويب، ترد: المهم أنك فهمتي
مفردات ابنتي التي هي من بنات اختراعتها، ردني للطرح الذي عرضه «چون لوك» في كتابه «مبحث في الفهم الإنساني» الذي شرح فيه العلاقة بين اللغة والفكر.
فبحسب «لوك» فاللغة من حيث كونها أداة للفكر، يستخدمها الإنسان كرموز لدراسة وتسجيل أفكاره الخاصة، وهو في هذه المرحلة حر في اختيار نسق الإشارات والعلامات والرموز التي يفكر بها طالما أنه متيقن من فهم محدثه.
فعلى سبيل المثال يستخدم مصطلح «يستاهل الذبح» للترحيب بالضيوف في صعيد مصر، رغم أنه معيب في القاهرة وبحري، اللهم إلا إذا استخدم للمزاح.
فـ «يستاهل الذبح» في الصعيد يعني أن الضيف مقامه كبير وحري بالمضيف أن يذبح شاة تكريمًا له.
أما أهل بحري، فقلما يلتقطون المعنى؛ لأن أهل العاصمة لا يرعون الماشية ولا يعرفون الذبائح سوى في عيد الأضحى. فالضيافة في العواصم تكون غالبًا عن طريق تقديم الشاي والحلوى.
ويشرح «لوك» أنه: «إذا أراد الإنسان نقل فكره إلى آخر، فإنه من المهم أن يكون هناك اتساق بين تلك الرموز التي اختارها وبين معانيها، بحيث تعني كل كلمة ذات الفكرة عند المتحدث من جانب وعند المستمع من جانب آخر.
هذا الكلام على وضوحه، إلا أنه صعب التنفيذ في حيز الواقع لعدة أسباب، أهمها في نظر«لوك» أنه عادة ما تكون للكلمة التي ترمز للفكرة دلالة فكرية محددة في عقل المستمع، ومن اليسير علىه إغفال جزء من تلك الدلالة التي يقصدها المتحدث أو إضافة جزء آخر أغفله المتحدث، وعليه فلن يتم نقل أفكار المتحدث نقلا خالصاً.
لاحظ أن «لوك» أشار إلى نقل الكلمات الشفهية، لكن الأصعب في الكتابة أو من خلال التواصل الاجتماعي، سيما لو اختلفت البيئات أو اللهجات وبالتبعية الدلالات.
فكلمة «امرأة» تنطق بالعامية المصرية في بحري في مصر وتستخدم على أنها سبة فيما أنها في صعيد مصر كما في سيناء وفي سائر الدول العربية ينادون بها أمهاتهم بمنتهى الإكبار.
- يضيف«لوك» أنه لا توجد مشكلة في نقل أسماء الأفكار البسيطة مثل الألوان أو الأشكال، لكن، من الكلام ما ليس له ارتباط في الطبيعة، وعليه يتعذر على المستمع فحص الفكرة فحصا مرتكزا على شكل أو لون اطلع عليه، مثل أفكار الجمال والقيم، التي لا توجد بذاتها في الطبيعة ويضيف:لا نحتاج الدقة في الحديث العادي، لكنها ضرورية في نقل الحقائق العلمية. ويحدد «لوك» النقائص التي تحدث لبس عند استخدام اللغة، سيما الكلمات الدالة على أفكار القيم المختلطة والأفكار المركبة، في سبع نقائص، ويرجعها إلى الإهمال في التوضيح.
- فقد يستخدم بعض العلماء كلمات لا توجد لدي المستمعين أفكار مطابقة لها، فيردد المتعلم الأصوات كالببغاء، كأن يستخدم مفردة القرمزي وهو لم يطلع على هذا اللون.
- قد نتداول الكلمات بدون دقة، فنعبر بكلمة واحدة عن مجموعة مختلفة من الأفكار البسيطة، فلا نفرق بين طائر وحشرة، فنقول طائر البعوضة فيما هي حشرة.
البعض يتعمد استخدام الكلمات الغامضة الفخيمة لإخفاء ما في أذهاننا من التباس أو لإضفاء علياء على منطوقهم.
يذكر «لوك» أن البعض يقع في خطأ افتراض أنه حيثما كانت هناك كلمة فلابد أن هناك شيئا مطابقا لها نأخذ الكلمات على أنها الأشياء، فكلمة «عنقاء» لا تعني وجود شيء اسمه عفريت أزرق.
كذلك، يشير«لوك» لوجود من يحعل الكلمات تحل محل أشياء لا نستطيع الدلالة عليها كمن يتحدث عن الكائنات الفضائية.
والأدهى أنه يحدث أن يتحدث عالم مستخدما كلمات معناها واضح له كـ«الشيوعية، الصوب اوبرا» غير مكترث بتوضيح المعنى للمستمعين.
و أخيرا يلفت «لوك» لأن استخدام الكنايات قد يكون جائزا في الأدب، لكنه لا يغتفر في المعرفة العلمية وحقائق الواقع.
هنيئا لك صغيرتي مسبحتك من 13 حبة، فكم أتعلم منك.
كاتبة مصرية
copy short url   نسخ
07/09/2019
1950