+ A
A -
في بلدة لبنانية صغيرة في إحدى مناطق جبل لبنان توفي طفل سوري عمره لا يتجاوز السنوات الأربع، وتم دفن الطفل في مقبرة البلدة التي لا يوجد غيرها، بعد عدة أيام فوجئ أهل الطفل بحارس المقبرة يحمل إليهم جثة طفلهم، بعد أن نبش القبر واستخرجها، عذره كان أن أهالي البلدة احتجوا على دفنه في المقبرة المخصصة لهم والتي لا تحتمل مساحتها وجود قبر لغريب! لكم أن تتخيلوا ماذا يعني مساحة قبر لطفل لم يتجاوز الرابعة من عمره، ولكم أيضا أن تتخيلوا مشاعر أهله وهم يرون جثة ولدهم من جديد!
في إطار تعليقها على الحدث المصري الأخير، كتبت شابة مصرية في أواخر عشرينيتها ما معناه: «إن الفساد الذي عاش وتربى في ظل أنظمة الاستبداد العربي حتى بات جزءا من المنظومة المجتمعية قبل السياسية والإدارية لن يفلح معه لا ثورات ولا انقلابات سلمية، فبرأيها أن هذا سوف يأتي بطبقة فساد وفاسدين جدد بحيث يصبح التحرر من منظومة الفساد يشبه المستحيل، وتتابع: إن الحروب الأهلية التي يطلقها أفراد المجتمع، لا تلك التي تغذيها الأنظمة وتبدأ بها، الحروب التي تبدأ بها الطبقات المسحوقة، حسب رأيها، هي الوحيدة التي يمكنها تحقيق التغيير السياسي والاجتماعي مع مرور الزمن والوقت».
لم أستطع نقاش الشابة المصرية في الأمر كونها ليست صديقة عندي على الفيسبوك، رغم أنني أظنها كانت تكتب فكرتها وهي تتمثل الحروب الأهلية الأوروبية والأميركية التي أدت بعد سنوات طويلة إلى مجتمعات عادلة وديمقراطية وعلمانية، وهذا ما كان يحلم به غالبية الشباب العرب في بداية الربيع العربي بكل حال، ولكن هنا انتبهت الشابة المصرية إلى أن الصراع الطبقي في بلادنا العربية، والذي يجب أن ينتج، حسب رؤيتها، حربا أهلية، ليس ذاته الصراع الطبقي الغربي، ليس لدينا في بلادنا طبقات مجتمعية تتصارع اقتصاديا، لم يعد في مجتمعاتنا طبقة وسطى ستكون هي الحامل الفكري المتوازن الذي يمكنه إنقاذ المجتمع من الصراع الطبقي الأهلي، إضافة إلى أن فقدان مفهوم الهوية الوطنية لصالح الهويات الدينية والمذهبية والطائفية والعشائرية ستكون نتائجه كارثية بكل معنى الكلمة، ولن يؤدي إلى ما أدت إليه الحروب الأهلية الغربية، التي بدأت بثورات سبقتها حركة تنوير فكرية وثقافية مضادة لسيطرة الكنيسة ذلك الزمن، وهو ما لن يحصل في مجتمعاتنا، فالارتباط الديني مع المجتمع أكثر تعقيدا وتركيبا من أن تفككه حرب أهلية.
وبالعودة إلى خبر الطفل السوري الذي تم استخراج جثته من القبر في لبنان، فالعنصرية المخيفة التي ترعرعت في المجتمع اللبناني، هي بالمناسبة عنصرية طبقية أولا.
{ (يتبع)
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
24/09/2019
2335