+ A
A -
يحكى أن شابا فقيرا فلاحا بسيط العقل شاهد ذات يوم ابنة الآغا تتمشى في البستان الذي يعمل به، وفتنته بجمالها وحسنها، ووقع في هواها حتى فقد النوم والأمان والراحة. بعد مدة انتبه والداه لحاله فسألاه عما به، فحكى لهما عن غرامه بابنة الآغا، فوعداه أن يطلباها له من والدها، وهنا يعتقدان أن الأيام سوف تجعله ينساها، لكنه لم ينس الأمر وصار يطالبهما بوعدهما له كل يوم، فقالا له بعد مدة عليك أولا أن تفصل ثيابا جديدة تليق بابنة الآغا،
فلم يكذب الشاب خبرا وذهب إلى الخياط الوحيد في القرية وقال له: أريد ثيابا جديدة في أسرع وقت ممكن، فسأله الخياط: لماذا تريد ثيابا جديدة، أنت لا تغادر البستان؟ قال الشاب: سأذهب لأخطب ابنة الآغا! سأله الخياط مستغربا: وهل حصلت على الموافقة على هذا الأمر؟! رد الشاب: أنا وأبي وأمي موافقون لم يبق سوى موافقتها هي وأبوها وأمها! تشبه هذه القصة حال السوريين مع الدستور الذي توافقت روسيا وتركيا وإيران على وضعه، وبدأت قوائم اللجنة الدستورية المشكلة تتسرب إلى الإعلام، ضمن ثلاث لجان: لجنة المعارضة ولجنة المجتمع المدني ولجنة النظام السوري. ففي الأسبوع الماضي، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه تم تشكيل لجنة دستورية تضم ممثلين عن كل من النظام والمعارضة والمجتمع المدني بهدف مراجعة الدستور للتوصل إلى حل سياسي «ينهي الحرب المستمرة منذ أكثر من ثمانية أعوام»، واللجنة ستكون مؤلفة من مائة وخمسين شخصا، خمسون يختارهم النظام وخمسون تختارهم المعارضة وخمسون من المجتمع المدني السوري تختارهم الأمم المتحدة. وبطبيعة الحال، فإن الوضع السوري الواصل إلى عنق الزجاجة يحتاج إلى حل سريع وإسعافي، فالسوريون في سوريا يعيشون تحت ظل أسوأ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية، مع توارد الأخبار عن خلافات شديدة في الدائرة المحيطة بالنظام، ومع التضييق المذل الذي تمارسه دول الجوار على اللاجئين السوريين الذين دفعوا الأثمان الكبرى والباهظة في السنوات الماضية، غير أن ثمة أسئلة متعلقة باللجنة وما حولها يسأله السوريون دون أن يجدوا لها إجابات واضحة!
فمثلا: ماذا بشأن المعتقلين السياسيين في داخل السجون السورية والذين بلغوا مئات الآلاف، مختفين ومجهولي المصير، لم تتحدث الدول التي أعلنت عن تشكيل الجنة الدستورية عنهم، وكذلك الأمم المتحدة! ما مصير هؤلاء؟! ومن المخول بالحديث عنهم وعن مأسانهم، وكذا الحال بما يخص اللاجئين في المخيمات في دول الجوار! ما مصير هؤلاء؟! وأين سيكون مستقرهم؟ فإذا صح التسريبات عن أن تركيا سوف تبني مساكن لهم في المنطقة العازلة ألا يعني هذا تغييرا ديموغرافيا في سوريا يشبه التقسيم؟! وماذا بشأن ملايين المطلوبين للنظام السوري الممنوعين من دخول سوريا تحت طائلة الاعتقال؟! أيضا ماذا بشأن (الثورة) ! لم يتذكر أحد من المعلنين عن تشكيل اللجنة عن أن ثمة ثورة شعبية قامت ضد النظام، وأن ما حدث هو حرب النظام ضد شعبه لا حرب بين طرفين! ثم ماذا بشأن الدستور نفسه؟ الدساتيرعادة ما تكتبها شخصيات مختارة من الشعب، لأن الدستور يعبر عن روح الشعب، هل فوض أحد من الشعب السوري هذه اللجان لكتابة الدستور أو تعديله (كما يقول النظام)؟! هل حصل استفتاء على شكل الدولة التي سيقرها الدستور؟! هل ستكون مدنية أم دينية أن علمانية؟! ماذا بشأن دين رئيس الجمهورية وشكل الجمهورية أصلا؟! ماذا بشأن مفردة (عربية) مع وجود شريحة سورية كبيرة من غير العرب، هل ستقصي اللجنة الدستورية هؤلاء؟! أسئلة كثيرة تخطر على بال السوريين الذين يرون كيف يتم تبييض صفحة النظام السوري ومكافأته على تدمير سوريا تشريد وقتل شعبها!
لقد وافقت تركيا وروسيا وإيران على تشكيل لجنة دستورية سورية، جيد جدا، ولكن ألا تلزم موافقة الشعب السوري على اللجان المشكلة أولا ثم على الدستور كي يكتمل العرس، أم أن ثياب العريس الجديدة تفي بالغرض؟!
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
02/10/2019
1964