+ A
A -
هناك مؤشرات مهمة للوعي الثقافي للمجتمع العام في الخليج العربي، بات يتقارب كثيراً مع أهمية إعادة التأسيس لعروبة الخليج العربي، والذي يشمل كل محيطه، وخاصة معالجة الإشكال القديم الذي طرأ، بناءً على تصادم الإسلاميين والحركة القومية، وخاصة خلال نشأة ونفوذ مشاريعها الحاكمة المستبدة، في العراق وسوريا ومصر.
ومن جانب آخر، كان هناك إشكال في مسار استدعاء الفكرة الدينية، لتقديمها بصورة إسلامية قطعية، ضمن ثقافة الحرب السياسية الشرسة، التي خاضها العهد السعودي وخاصةً في زمن الملك فيصل، مع العهد الناصري سواءً في مواجهة الفكرة الأيدلوجية، والتي تضمنت فتاوى تكفير ديني في حينها، مقابل تكفير سياسي من المنظومة القومية، شملت بقية أنظمة الخليج العربي، تحت ذلك التجاذب الشرس.
وهو تجاذب متداخل بالطبع، مع هيمنة المشروع الغربي بشقيه الإنجليزي والأميركي، ومنافسه عبر الاشتراكية الدولية للاتحاد السوفياتي، الذي انسحب على كل الطيف القومي، برعاية موسكو للمشروع القومي في حينه، رغم الصراع بين أجنحة القوميين الشيوعي والناصري والبعثي.
وهدف هذه المقدمة إزالة هذه الحمولة التي يكتنفها مصطلح العروبة، حتى يعاد فهم زاوية الانتماء العروبي للخليج، وأن هذا التاريخ ليس ضرورة تشترط على كرامة الفرد، في كل إقليم الخليج العربي، ولا تمنع العروبة فتح مسارات النهضة أمامه، في أفقها الإنساني المتعدد، تحت روح أينما وَجد المسلم الحكمة أخذ بها، وخاصة منظومة التأهيل الدستوري والبنية المدنية، المتفقة كلياً مع الفكر القيمي والنهضوي، لمقاصد الإسلام.
وهنا مسارات نحرر من خلالها المفهوم:
الأوّل: فهم تاريخ الجغرافية العربية، وخاصة الجزيرة وإقليم الخليج، وأن رابطها بالرسالة الإسلامية، هو رابط وجودي، فالعرب هم حملة هذه الرسالة، وكونهم ضمن وطن عربي، لا يناقض إيمانهم الرسالي مطلقاً، وإنما يُنظّمه ويؤكد عليهم أهمية بقاء تكليفهم الرسالي، ببعد أخلاقي يرقى به الفرد سلوكاً وحملاً للرسالة.
الثاني: أن تنظيم عقل الفرد والشاب في إقليم الخليج العربي، بهوية واقعية ويقينية في تاريخه الاجتماعي، ليست بناء على انتماء قبلي ولا عرقي ولا تمييزي، لكن تبعا لتاريخ تواجده وجغرافيته، وربطا بمفهوم الأرض والانتماء الرسالي الذي لا يستطيع أن يستغني عنه الفرد، وسقوطه من ضميره، يحدث فراغا صعباً، ومنظومات التطور المدني والحقوقي الإنساني، التي حققت تقدماً معرفياً، لم تستغن أبداً عن تكريس الهوية.
ولكن تُقدم الهوية في سياقها الحقيقي، وليس بناءً على صراعات سياسية موسمية، ويحفظ الحق لكل وطن قُطري أو شريحة اجتماعية، فهنا ترتاح نفس الشاب ويمضي في طريق وعيه ومعرفته، ومساهمته لبناء مجتمعه.
الثالث: أن مشروع التطور الدستوري، وطموح الفرد لدولة الحقوق والواجبات، التي تُكرّم الإنسان المواطن، لا تتعارض أبداً مع هذا الأساس، ولا تشترط في أسرتها الوطنية اتحادا عرقيا ولا اجتماعيا، إنما الجميع تحت مظلة هذا الوطن كونهم من نسيج أرضه أولاً وعرب اللسان.
الرابع: خطورة وجود فراغ في الهوية الانتمائية خاصة بعد جريمة أزمة الخليج، حيث ينشأ الشاب في ظل تيه صاخب لا يعرف فيه الكتلة الاجتماعية والتاريخ الرسالي الذي ينتمي له، ويتعاظم هذا المأزق على مستوى الشعب وكل قُطر.
ماذا نصنع في علاقاتنا مع النفوذ الإقليمي المتزايد، من طرفي إيران وتركيا المدعومين من موسكو، ومن طرف الكيان الصهيوني وداعمه الغربي، وهل من مصلحة أهل الخليج والمسلمين العرب، وحاضر العالم الإسلامي، أن تكون هذه الجغرافيا ممزقة تُقتسم، لا هوية لها؟
وهذا الاقتسام لا علاقة له، بل هو مضر برابطة الأخوة الإسلامية بين العرب وإخوانهم الأعاجم المسلمين، بدلاً من صناعة ثقافة تعاون، بين أمم الشرق تبني قوة إنسان وممانعة داخلها، لا تبعية أو تقديس عاطفي لمصالح قامت أصلاً بناءً على روح قومية لأمم الشرق الأخرى.
هنا نستوعب كشعوب الواقع الصعب، لعبور الخليج لأمنه الاجتماعي، بناءً على مبادئه، وليس لأجل أي سوقٍ آخر، عبر استراتيجية هوية أصلها ثابت وفرعها في السماء.
بقلم: مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
06/10/2019
3050