+ A
A -
نشرت إحداهن قصتها مع زواج الصالونات، فذكرت أن والدتها لطالما ضغطت عليها لمقابلة أي عريس، فيما كانت الفتاة تفضل التروي، لكن بسبب ضغوط الأم رضخت للتعارف التقليدي، وانصاعت للأهل وقبلت بإقامة حفل خطبة لرجل لا تعرف عنه شيئا للهروب من ضغوط عائلتها.
وتم التحضير لحفل الخطبة بربط موعد مع الماشطة واشترت الفستان، وبصبيحة الحفل وبعد دعوة الأهل، اتصلت والدة العريس معتذرة كون ابنها تَعِب.
وألغي الحفل وسط إحراج بالغ، بل فضيحة وكسرة قلب لفتاة لم ترتبط عاطفيا بالشاب ولم توافق عليه إلا بضغوط عائلية!
أهم ما في القصة أنها تقوي شخصية البنات وتعلمهن درسا عمليا في عدم الإذعان للهفة الأهل على الزواج تحت أي حجة. وضرورة أن يقول الأبناء أحيانا للأهل «لا». فقد تبين للفتاة أن الخذلان يأتي حينما نتواكل على مقولة أن «العائلة تعرف مصلحتنا أكثر».. المحزن أن تلك القصص تتكرر، لأن جوهر المشكلة تكمن في ضغوط العائلة، فكم يؤسفني رؤية تعامي الأمهات عن عيوب أي شاب متقدم، بل يعملن على تثبيط وعي بناتهن عن مثالبه، حتى أن الأم لو لاحظت أن حماة ابنتها شديدة أو أن العريس بخيل، لكنها تستمر في خداع ابنتها ولا تكف عن هذا التعتيم، إلا حين يأتي الرفض من العريس، ساعتئذ، يعول على القدر والنصيب!
القصد أن نسبة غير هينة من الأمهات تزرعن في فتياتهن أنهن غير جميلات، ومن ثم فعليهن قبول أي فرصة!
هذا نوع ممنهج لإشعار البنات بالنقص لدفعهن للارتباط والتعامل مع أي عريس كمنقذ يلتقطهن من بئر العنوسة.
وفي رواية علاء الأسواني «شيكاغو» ورد أن الابنة المتزوجة من رجل خسيس، كانت متأكدة أن أهلها لن ينصفوها لو أخبرتهم بجرائم زوجها معها، مهما خان، ضرب، زنا أو تعاطى مخدرات، فاضطرت لانتهاز فرصة تحرش مدير زوجها بها، فجمعت ذويها وأخبرتهم أن زوجها يشجعها على الانصياع لرغبات مديرها، وقد تعمدت جمع الأهل لتسد عليهم باب الإجابات المراوغة، فهي على يقين أنهم لن يستطيعوا الإجماع على الموافقة العلنية على مثل هذا الأمر في حضرة وجود جمع.
أنا حانقة من بعض الأهل الذين يتبنون معتقد أن الزواج هو بمثابة الجيش المفروض على النساء أو الوظيفة لتجد من ينفق عليها، ومن ثم فعليها أن تعصر على نفسها حامض الشام لتمرير أي زيجة والسلام!
أما آن أوان غرس الثقة في نفوس الأبناء؟
أما آن أوان تشجيعهم على البحث عن نقاط الألق في شخصياتهم عوضًا عن البحث عن زيجة ليتأكدون أن قيمتهن في أنفسهن، تزوجون أم لم يتزوجن، أنجبن أم لم ينجبن، توظفن أم لم يتوظفن، فقيمتهن في أنفسهن لا في المتخارج من هبات الأقدار؟
أما آن أوان تعليم صغارنا أن الأهل بشر يصيبون ويخطئون، فالطاعوية لله وحده، أما الأهل فعلينا الإحسان لهم مع تعلم الرفض المهذب لقراراتهم الخاطئة فيما يتعلق بتقرير مصيرنا؟
إنه قد تأتيني ابنتي حانقة من أخيها تريد معاقبته، فأوافقها وأقول: فلننتظر حتى المساء ولنتحين فرصة نومه ثم نضع الوسادة على وجهه حتى يلفظ أنفاسه في صمت ولن يعرف أحد.
فتقول لي ابنتي: لا بل الله سيعرف! ثم أمجنونة أنت يا أمي، أنا لم أكن أرغب سوى في حرمانه من الحاسوب، أما وقتل أخي، فلا وتمضي عني غاضبة، فأفرح أنها تستخدم عقلها وهي بعد طفلة. المشكلة، أننا لم ندرب صغارنا على استخدام العقل، بل أوعزنا إليهم أن الآباء لا يخطؤون، ناهيكم عن غرس فكرة قدسية الآباء ما ينهض دليلًا على حرصنا على تربية كلاب «هول» لا إنسان له حق الاختيار وواجب المحاسبة.
علموا أولادكم قول «لا ماما» مع احترامي، لكني لن أقاطع خالي؛ لأنك غاضبة منه.
لا بابا، مع احترامي، لن ألتحق بالطب لأرث عيادتك، فأنا أعشق الهندسة.
لا ماما، لن أمارس التجارة، فهوايتي وطموحي هو دراسة الطبخ.
لا بابا، مع احترامي، لن أوافق على العريس؛ كوني لا أستريح له.
علموا أولادكم الرفض المبرَّر.
كاتبة مصرية داليا الحديدي
copy short url   نسخ
12/10/2019
2139