+ A
A -
قد ألتمس عذراً لمن يحنون إلى أيام جمال عبد الناصر، عـلى الرغـم من قـمع الحريات، وتكميم الأفواه، وعبادة الفرد، وسيطرة الأجهزة الأمنية المطلقة، وانعدام الحرية، والسلبيات كثيرة، لأن تـلك الفـترة شـهدت أيضاً قـوة مصر وصعـودها وتـقـدمها الصناعي والسـياسي، وتحقـقـت فـيها إنجازات كثيرة منهـا بدايات العدالة الاجتماعية، ولم يكن الخبز أزمة، والسكن أزمة، والتعليم أزمـة، والعـلاج أزمـة، والمـاء أزمـة، والكهـرباء أزمـة، حتى كأن مـصر مجـمـوعـة من الأزمـات. وشهدت تلك الفترة عـودة الكرامـة إلى المواطن العادي الذي لا يتـدخل في السياسة، ورفـع المواطن المصري لأول مرة رأسه الذي ظل يحنيه طوال آلاف السنين
وقـد أعذر من يحنون إلى أيام صدام حسـين، عـلى الرغـم من تكراره أخطاء عـبد الناصر، وأضاف إليها سـيطرة الأسـرة والعشـيرة، وعلى الرغم من أنه جـر البلد كله إلى حربين قـضتا على منجزاته كلهـا، ودخل الحـرب مع إيران وللعـراق فائض تجـاري يقـدر بمائـة وخمسـة وثلاثيـن مليار دولار، وخرج منها والعراق مثقل بالديون، لكن العراق لم يكن – حاله حال مصر – مجموعة من الأزمات تصنع دولة – كان ثمة دولة وانضباط ومواطن، ولم تكن داعش تحتل نصف العراق.
أعـذر هؤلاء وأولئك لما رأينا ونرى حتى الآن. لم تعد مصر دولة قائـدة في عهـد السادات، ولم تأت المليارات التي وعد الشعب بها، راحت الكرامة وانتعشت الأزمات وتكاثرت ونمت، وخسر المواطن كل شـيء، حتى وصل في أيامه الأخيرة إلى أن يخسـر الأمن والأمان. ازداد الفـقراء عدداً وفقراً في أيام السـادات ومبارك، وتوحـش المسـؤولون وأبناؤهـم من طبـقة النهابيـن من مال الدولـة والشـعب، وراح كل منهم ينهـب بقدر ما يستطيع
وجاء حكام العراق على ظهـور الدبابات الأميركية، فازدهرت الطائـفية والعشـائرية، وأقام الإرهاب المنـظم في العـراق، حتى صار المواطن يخـرج من بيـته، وليس مطمئـناً إلى أنه سـيعـود. صار كل شيء في العراق أزمة، ونهبت مئات مليارات الدولارات وآلافها في سـرقات مكشـوفة وموثقة، وكما قالـت عجوز عـراقية بعد الغزو بسـنوات قليلة: كنا إذا انقـطعت الكهرباء سـاعـتين ندعـو على صدام حسين، أما الآن فندعو الـلـه أن تأتي الكهرباء ساعتين في اليوم
هل قدر الشعوب العربية ألا تنعم بالهدوء والاستقرار إلا في ظل الدكتاتورية؟ قال لي أخ مصري مرة: لا تليق بنا الديمقراطية، قلت:هل الشعب المصري ككل أقل وعياً من شعب بنجلاديش؟ قال: لا، قلت: كيف طبقت بنجلاديش الديمقراطية ونحن لم نفعل؟
بقلم: نزار عابدين
copy short url   نسخ
28/10/2019
1767