+ A
A -
يتصرف الحاكم في البلد الذي يرأسه كما لو أنه السيد المطلق، العملاق الذي لا يرى تحت قدميه أرتال النمل، حتى يتمكن النمل من تسلق جسد الحاكم وتغطيته، سينتبه وقتها أن ثمة مخلوقات أخرى غيره وغير حاشيته، وسيسألها مستغربا: من هي ومن أين أتت!
وعلى عادته، لم يتوان إعلام نظام الاسد ومؤيدوه ومسؤولوه عن إطلاق تهم العمالة للسفارات على المعارضين، كانت الذرائع بالتهم موجودة، إذ في واحد من أشهر اعتصامات ومظاهرات مدينة حماة في شهر يوليو عام 2011، فوجئ أهل المدينة بوجود السفير الأميركي روبرت فورد بينهم في الاعتصام، كان هذا الحدث كافيا لإطلاق تهمة المؤامرة الأميركية الصهيونية على كل الثورة، طبعا من نافل القول إن أهل حماة حتما لم يكونوا يعلمون مسبقا بهذه الزيارة، ومن نافله القول أيضا إن النظام كان يراقب تحركات كافة السفراء والبعثات الدبلوماسية على أرضه، خصوصا في فترة الثورة، حيث حصل الاستنفار الكامل لكل الجهات الأمنية، وبديهي أن سفر السفير الأميركي من دمشق إلى حماة، قاطعا الحواجز الأمنية التي كانت منتشرة على طول الطريق، خصوصا بالقرب من مدينة حمص، التي كانت عاصمة للثورة وقتها، ما كان ليحصل بدون علم وموافقة النظام وأجهزته الأمنية، وبكل حال، فإن التنسيق بين النظام السوري والنظام العالمي، اتضح من خلال موقف الدول الغربية من بقاء نظام الأسد على رأس الحكم رغم كل ما ارتكبه من جرائم بحق الإنسانية.
ولعل واحدة من أشهر التهم التي أطلقت في سوريا على المعارضين هو ما تناقلته المواقع الالكترونية المأجورة للنظام وقتها، عن إقامة كل من المعارضين رياض الترك وياسين الحاج صالح ورزان يتونة (التي خطفها جيش الإسلام في دوما مع مجموعة من رفقائها)، في السفارة الأميركية، وتنعمهم بحياة الرفاهية في السفارة: وهو ما صدقه مؤيدو النظام دون أي شك ولو للحظة بمدى مصداقية هذه التهمة، بكل حال كان مؤيدو النظام تلك الفترة مستعدين لتصديق كل ما يقال عن الثوار والثورة، وعرف النظام، بحرفية، كيف يستغل خوفهم من التغيير وتجنيدهم لاحقا ليكونوا وقودا في حربه ضد الثورة، وضحايا من أكثر من مليون ضحية في سوريا ثمنا لبقاء الأسد على كرسي الحكم.
كان ذلك قبل تسع سنوات، في بدايات الثورات والربيع العربي، الذي شكل ما يشبه الاهتزاز المريع في بنية الشعوب والمجتعات العربية، اهتزاز سببه عدم التصديق، والخوف من التغيير بعد عقود من الاستقرار الآسن، كان طبيعيا أن يصدق الخائفون أي تهمة عن المنتفضين كي يتحصنوا بها، ولكن بعد مرور تسع سنوات وانكشاف الغطاء عن الأنظمة العربية وارتباطاتها بالنظام العالمي، والتنسيق الأمني العابر للدول والقارات، ومع الموجة الجديدة من الربيع العربي التي انطلقت في عام 2019، ألا يبدو أشبه بالمهزلة إعادة نفس الخطاب الذي استخدمته الأنظمة في 2011 في بلد مثل لبنان، عانى ما عانى من الحروب الأهلية ويسعى شعبه حاليا لإعادة بناء عقد اجتماعي سليم يلغي المحاصصات الطائفية والانقسامات المذهبية ؟!
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
03/11/2019
2518