+ A
A -
لا يستطيع أحد اليوم أن يُنكر أن الشارع العربي لم يتوقف عن الحركة منذ اندلاع الثورة التونسية. ولا يستطيع أحد أن يُنكر أن المطالب التي رفعها البسطاء في ريف تونس الفقير هي نفسها التي لا تزال تتردد في بغداد ولبنان والجزائر: «الشعب يريد إسقاط النظام». كما أن القمع الذي واجه به النظام الاستبدادي العربي جماهير المتظاهرين هو نفسه في كل الساحات والميادين حيث انتصب القناصة على سطوح المباني يُطلقون النار بشكل عشوائي على الشباب المنتفض.
عودة الاحتجاجات الشعبية تؤكد أن مطالب الشعوب لا تزال قائمة وإن خفتت وتيرتها من حين إلى آخر بل هي تتمدد في مجالات كانت تُعتبر إلى وقت قريب عصيّة على الانتفاضات الشعبية. إن بلوغ الثورات العربية دولتي العراق ولبنان اللتين تحكمهما أنظمة طائفية شرسة يمثل تحولا نوعيا في مسار الربيع العربي الذي اقتصر على الأنظمة العسكرية والجمهوريات الأمنية المزيفة.
إن أهم ما يميّز الثورتين اللبنانية والعراقية اللتين لا تزالان تتفاعلان هو أنهما تتحركان خارج نطاق الأغلال الطائفية التي كبلت البلدين منذ عقود. ففي لبنان خرج المواطنون على اختلاف طوائفهم ضد الفساد وضد غلاء المعيشة وانهيار القدرة الشرائية رغم سعي الحكومة وكامل الطيف السياسي اللبناني إلى امتصاص الشحنة الثورية عبر اللعب على المشاعر الطائفية.
أما في العراق فلم تنجح حكومة المنطقة الخضراء ومن وراءَها في إثناء العراقيين عن الخروج بالملايين منددين بالفساد والتفقير الممنهج الذي تعاني منه كافة شرائح المجتمع. نجح العراقيون في تجاوز الحاجز الطائفي وفي كسر التفرقة التي خلقها المستعمر بين أفراد الشعب الواحد وهو ما يجعل من الثورات أداة جديدة لتوحيد المجتمعات ولتجاوز النعرات الطائفية والعرقية التي تسلل عبرها الاحتلال العسكري لبلدهم. لا يمكن أن نفصل حراك الجزائر الذي يتواصل منذ أشهر ضد من يسميهم المتظاهرون «العصابة الفاسدة» عن بقية المشهد العربي الذي يتفاعل في أكثر من قُطر وهو الحراك الذي حافظ على سلميته منذ انطلاقه بشكل نزع عن النظام كل الذرائع لشيطنة المتظاهرين واتهامهم بالإرهاب.
أمام عودة الموجة الثورية الثانية لنا أن نتساءل: لماذا لم يفهم الطغاة العرب الدرس ؟ أم أنهم قد فهموه لكنهم لا يستطيعون فعل شيء ؟ ما فائدة كل الدماء التي سالت والأرواح التي أزهقت والأموال التي صُرفت ؟
ها نحن نعود إلى نقطة الصفر وهاهي الثورات حية من جديد بعد أن سقط جدار الخوف دون رجعة ولن تتوقف الحركة حتى تحقق الأهداف التي من أجلها انطلقت.
بقلم: محمد هنيد
copy short url   نسخ
07/11/2019
1650