+ A
A -
داليا الحديدي
أنا خَيٌر منه، أنا من حضر وهو من ريف
أنا خَيٌر منه، أنا سمين وهو نحيف
أنا خَيٌر منه، هو ضَيف وأنا مُضيف
أنا خَيٌر منه، أنا مُبْصِر وهو كفيف
أنا خَيٌر منه، هو سيئ وأنا عفيف
أنا خَيٌر منه، أنا أوروبي أشقر، وهو آسيوي، أصفر عجيف
أنا خَيٌر منه، هو أسمر باهت وأنا أبيض، لطيف
أنا خَيٌر منه، أنا يوناني عريق وهو روماني، خفيف
أنا خَيٌر منه، أنا فرنسي أنيق وهو ألماني غير أليف
أنا خَيٌر منه، أنا أسد أبراج الصيف وهو عقرب الخريف
أنا خَيٌر منه، أنا جامعي وهو بدبلوم، مستواه ضعيف
أنا خير منه، أنا أكثر مالًا وأعز نفرا، وهو عقيم، كما أنه لا يملك حتى رغيف
ما سبق هو صور آدمية مبتكرة من قولة «الكِبر» الإبليسية
«خلقتني من نار وخلقته من طين»
هذا المنطق أخرج إبليس من مكانته العليا في السماء واستوجب عليه غضب الله.
إنها صور لا حصر لها من كِبر شياطين الإنس الذي علا على سواه من كبر شياطين الجن، سواء الكِبر بالأنساب أو بأسماء العائلات أو التمايز باللون، أو التعالي بعدد حروف اللغة أو التكبر بمستوى التعليم أو بالعصبية للأديان أو للمذاهب، أو الكِبر لعدم اقتراف ذنوب معينة أو التمايز بالصِحة أو بالتراتبية الاجتماعية والثراء أو بالعصبية للأصول، أو حتى للفرق الرياضية!
متى سنهجر شتى أشكال العصبية المستتر منها أو المفضوح انتصارًا لإنسانيتنا؟
متى سنزدري المزايدات على الوطنية بالشكليات والمسميات؟
تجرحنا عصبية الأوروبي لبياض بشرته، فنعنونها عُنصرية، فيما نتغافل عن تمايزنا بدرجات ألواننا حتى أن أهل النوبة في مصر أحجموا عن الزواج إلا من بعضهم البعض، درءًا للمعايرة، كي لا يقال لهم:
«حنطتنا أفضل من سمرتكم، أو سمرتنا تفوق سوادكم».
إنها دوامة تفاضل وكبر ممزوجة بسخف لا ينتهي
- تؤذينا المعاملة الدونية والإستعلاء من الغرب، لكن نمارسها مع البدو وأهلنا في الريف.
لأمثال هؤلاء كتب الفيتوري:
«إنما يحصد القهر، من يزرع القهر في زمني
إنما يلبس الخوف.. من ينسج الخوف في بدني»
أمثال هؤلاء مرتاحون لدور المتفرج على المظلومين في الحياة دون التورّط في توفير حياة عادلة لهم، يعاينون ما يحدث كغريب، فشتان بين هذه النوعية وإن صّلت، وإن صامت، وبين «جيفارا» الرجل الثري، الذي غضب لأجل المظلومين وقال:
«إني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجه إلى مظلوم في هذه الدنيا».
فيما معيار إحساس البعض بالظلم هو مدى رفض المجتمع أو قبوله لسلوك ما، فلو أقر المجتمع سلوكا ما مجحفا بحقوق الخادمة ومرره، فنادرًا ما تلتفت ربة المنزل لأي ظلم تمارسه، أما لو ثار المجتمع، فهنا يضطر الظالم للانصياع لحكم محيطه لا لشرط إنسانيته.
نتفاخر بتسيدنا الحضاري كوننا أحفاد الفراعنة أو أشوريين، أنباطا، إغريقا، رومانا أو شركس، فضلًا عن تصارعنا على مراكز الريادة بأثر رجعي سعيًا للمفاخرة، مع أنه لم يكن لنا سهم في انتصارات الأجداد، فيما لو نطق السلف من مراقدهم، لتبرأوا منّا، فيحق فينا قول الشاعر:
«إذا افتخرت بآباء لهم شرف
قلنا صدقت، لكن بئس ما ولدوا»
فشرف الأصل لا يقتضي بالضرورة شرف الفرع كما ورد عن الدكتور عدنان إبراهيم.
ثم ألم ينهانا نبينا (صلى الله عليه وسلم) عن العصبية التي وصفها بالمنتنة
«اتركوها فإنها منتنة»:
لم يخلق الله أمة عديمة التراثات التي تتفاخر بها، لكن الخالق لم ير فضلا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى لا بالنسب.
رباه، أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أن ينقذوا عالمهم المفخخ بالأهواء من تلكم العصبيات والتمايزات، انتصارًا للإنساني؟
كاتبة مصرية
copy short url   نسخ
23/11/2019
2153