+ A
A -
كان للخطاب الذي ألقاه د. مهاتير محمد رئيس الحكومة الماليزية، في جامعة قطر، الجمعة الثالث عشر من ديسمبر الجاري بُعدان، أحدهما النص الخطابي، والآخر التذكير بالتجربة المعرفية، التي قادت ماليزيا إلى حصيلة النهضة التي عاشتها بعد الاستقلال، وكان مهاتير محمد هو رائدها السياسي، فيما مثل د. أنور إبراهيم بعداً مسانداً نوعياً لتلك التجربة وذلك النجاح، عبر مفهوم القيم الإسلامي، الذي احتاجته حركة أمنو في حينها، لتأسيس الفارق المهم، لحياة الشعب الماليزي المسلم، تجمع روحه الأخلاقية وتقدمه العلمي والتعليمي.
ولا تزال التجربة تعيش دورات تحدٍ مختلفة، سيكون نجاحها أقوى لو تماسك التحالف الديمقراطي الأخير، الذي فاز في انتخابات مايو 2018 عبر ذات الشراكة، وبعد قيادة السيدة وان عزيزة كفاحاً سياسياً ديمقراطياً، عاد عبره رجل التجربة الأول د. مهاتير محمد لقيادة ماليزيا، بعد تراجع مخيف في ذلك الحين، لمفهوم الديمقراطية والحريات، وصعود قضايا الفساد.
والتي إلى اليوم هي محل اختبار للعهد الجديد، الذي يؤمّل أبناء الشعب الماليزي، ومعهم محبوهم من الشرق المسلم والتعدد الإنساني، أن ينجح التحالف الجديد فيه، وأن يتم الانتقال الديمقراطي بسلاسة واتفاق وطني، بعد فترة د. مهاتير محمد الذي تتقدم به رحلة العمر، والتي حددها في خطاباته السابقة، في ظل رسالة إنجاز تاريخية لهذه الشخصية الفريدة والملهمة، في كامل الشرق وليس الشرق المسلم فقط.
لقد كانت كلمة د. حسن بن راشد الدرهم رئيس الجامعة، موفقة في عرضه، للمفاهيم التي كرسها مهاتير محمد، والدور الذي بعثه بين المسلمين والمؤسسات الأكاديمية، في الشرق في رحاب التعليم النوعي، وإدارة الحكم السياسي، الذي شهد ضغوطاً ومنافسة شرسة من المركز الغربي للعالم، الذي لا يقبل بقواعد المنافسة الحضارية، أو من خلال قيادة ماليزيا في تعداداتها الإثنية والدينية، وتشكيل روح مؤاخاة وطنية جامعة، بين كل أطيافها الوطنية، التي انضمت لأرض أبناء الملايو وكفاحهم الاستقلالي.
وأريد هنا ان اتوقف عند كلمة د. مهاتير التي تزامن تكريم جامعة قطر له، ومنحه الدكتوراة الفخرية، مع زيارته الرسمية للدوحة، وإعلان سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير الدولة عن تأسيس اللجنة القطرية الماليزية العليا، حيث كانت هناك مشاعر اغتباط واضحة لدى مهاتير، من هذا التقارب النوعي بين الدوحة وكولالمبور، ترسخت بوضوح عبر النموذج الحديث والمتصل بالشرق، التي تمد عبره قطر بعهدها الجديد، جسراً مهماً وحيوياً لنا في الخليج والمشرق العربي، وبيننا في الشرق الكبير الذي يُمثل المسلمون فيه، القوة الاجتماعية الكبرى.
وهنا وقفة مهمة ليتحول هذا التعاون إلى لغة تفاهم وتعاضد، وتعاون اقتصادي ونهضة علمية، ومواثيق فكرية، تجمع المسلمين وغيرهم من أخوّة الإنسان وخاصة الشعوب المحرومة من حقوقها المعرفية والتقدمية، بسبب فرض الغرب مقياس الهيمنة المتفوقة عليها، أو بسبب تغول أنظمة الاستبداد على قرار الشعوب، وطموحهم التنموي والسياسي.
لقد أشار د. مهاتير للبعد الذي يستشعره اليوم، في تقارب ماليزيا مع قطر، وهذا البعد متصل بالروح الأخلاقية كما بالطموح للتقدم النهضوي، وهي رسالة مهم جداً أن تتحول إلى مشاريع تنفيذية في العلوم والمعرفة، التي تشكل الأرضية الصلبة لرحلة النهضة، لأي دولة أو تجربة وطن في عالم صعب ومتلاطم اليوم، تقوده نزوات دولية لتحقيق مصالح متوحشة، أو من واقع الصراع الكارثي في الشرق.
إن معرفتي بأهل قطر كمجتمع لصيق بأرض الأحساء قديماً، ومن خلال زياراتي من كندا إليها، للمناسبات العلمية، واهتمامي البحثي الأخير بماليزيا، أعطاني مساحة فهم لهذا التقارب، فروح الندين الاجتماعي والأخلاقي لدى أبناء قطر، بكل فئاتهم وتوجهات مثقفيهم، التي لا تغيب عنها الروح الإسلامية، لها مماثل في وجدان الشعب الماليزي.
وهنا الاتفاق مع اختلاف النسيج الاجتماعي، في أن تتقدم الدولة وتنتشر المعرفة العلمية، وجسور التفاهم والود الإنساني، بحضور الروح الإيمانية والتقوى الأخلاقية الكبرى، فهنا معيار النجاح للشرق الجديد، وكلنا دعاء لهما بنجاح مديد.
بقلم: مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
15/12/2019
2948