+ A
A -
شكل الفساد جانبا مركزيا من عوامل انهيار المنظومة السلطوية للرئيس المخلوع بن علي وهو الأمر الذي دفع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة إلى التركيز على ما سمته بالحوكمة الرشيدة ومحاربة كل أشكال الفساد، غير أن الوقائع على الأرض تكشف أن هذه الظاهرة ما زالت تشكل أكبر عائق أمام تحقيق نجاحات اقتصادية أو الخروج من الأزمة المالية التي تعيشها البلاد.
والمعروف أن غالب الحملات الانتخابية للأحزاب سنة 2014 ركزت على ما أسمته بمحاربة الفساد، وقد حاولت الأحزاب المشاركة في الحكم القيام بخطوات في هذا المجال لازالت دون المطلوب بل وتكشف عن عجز في مواجهة هذه المعضلة ومن ضمن هذه الخطوات إعلان حكومة الحبيب الصيد عن جملة من المبادرات في هذا السياق ومنها إحداث وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد التي أحدثها رئيس الحكومة خلال التعديل الوزاري الأخير بالإضافة إلى إلزام الوزراء بالإمضاء على ميثاق شرف الالتزام بمحاربة الفساد ونظافة اليد غير أن معضلة الفساد في البلاد لازالت قائمة ومؤثرة وهو ما يمكن ملاحظته من خلال جملة من العوامل حيث احتلت تونس المركز 76 في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2015 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، ورغم أنها تقدمت بثلاثة مراكز في المؤشر الذي شمل 168 دولة بعد أن كانت تحتل المركز 79 في سنة 2014، إلا أن عدد نقاطها في المؤشر تراجع حيث تحصلت على 38 نقطة من 100 ممكنة بينما كان عدد نقاطها 40 في مؤشر سنة 2014.
ومن الواضح أن تونس تعاني من غياب استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد وعدم تفعيل الآليات الضرورية التي تساعد على كشفه ومحاربته ومن ضمنها عدم تفعيل هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد التي نص عليها دستور سنة 2014 في الفصل 130 باعتبارها إحدى الهيئات الدستورية التي تضطلع بمهمة «رصد حالات الفساد في القطاعين العام والخاص، والتقصي فيها، والتحقق منها، وإحالتها على الجهات المعنية» كما ورد في الدستور التونسي.
وبالنظر إلى بطء عمل الحكومة في مجال محاربة الفساد خاصة في ظل غياب التقارير الرسمية التي تكشف عن الإجراءات المتخذة في هذا المجال بالإضافة إلى النقد الموجه إليها بخصوص رغبتها في تكريس حالات الفرار من العقاب وغياب المحاسبة خاصة بعد أن عرضت رئاسة الجمهورية قانون «المصالحة الاقتصادية» والذي وإن لم يتم تمريره إلى حد الآن فقد شكل القانون معضلة حقيقية من حيث كونه ضرورة لحل مشكلات اقتصادية ومالية عالقة وفي ذات الوقت فإن القانون بصيغته الحالية ليس محل إجماع أو توافق بين الفاعلين الحزبيين ومنظمات المجتمع المدني الأمر الذي حوله هو ذاته إلى مشكل.
وبعيدا عن تجاذبات الأحزاب وتلاعب الإعلام يمكن أن نسجل حالة الوعي الشعبي الممتدة من خلال طرح قضايا حيوية وهامة مثل ملفات الثروات الباطنية وملفات الفساد وغيرها من القضايا التي تندرج عادة ضمن المسكوت عنه. وهنا يمكن أن نلاحظ أهمية ما تقوم به منظمات المجتمع المدني في مجال الكشف عن ملفات الفساد (تقارير جمعية «أنا يقظ» على سبيل المثال) غير أن الجهد الشعبي وحده لا يكفي إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات حازمة وسريعة من أجل وضع حد للتلاعب بالمال العمومي والمس بالمصالح العامة للشعب من خلال تفعيل القوانين ومنح الفرصة للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للقيام بعملها وتكريس مزيد من الشفافية في مجال المعاملات المالية والصفقات العمومية وهي خطوات أضحت ضرورية وقد تحدد مصير الحكومة الحالية والأحزاب الحاكمة بالنظر إلى ما سيكون لها من أثر في الفترة القادمة سياسيا وانتخابيا في ظل تزايد الوعي الشعبي وقدرته على ممارسة المزيد من الرقابة ومحاسبة حكامه وفق ما تقتضيه المواطنة في دولة الحقوق والحريات ما بعد الثورة.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
28/06/2016
1960