+ A
A -
آلمني اتفاق أردوغان ونتانياهو، ليس لأن الرئيس التركي خيب أملنا كما يظن البعض، ولكنْ لأن أحد شروطه الثلاثة لم يُلبَّ بالكامل. وإذا كان من شيء يقال قبل التحدث ولو بسرعة، عن تفاصيل الاتفاق الذي أنهى أزمة عمرها ست سنوات نتيجة حملة أساطيل الحرية التركية المشرفة التي استهدفت كسر الحصار الإسرائيلي على غزة، فهو أن من السخف الادعاء بأن حلفاً جديداً أصبح قابلاً للتشكيل الآن بين تركيا وإسرائيل، مثلما يردد المشككون.
فهذا النوع من الجدل أقرب إلى الهذيان والقراءة المسطحة للأحداث، ذلك ان إسرائيل في حالة تضارب مصلحي استراتيجي مع الأتراك الذين لديهم علاقات تصادمية مع الأميركيين ومع نظامي بشار الأسد وعبدالفتاح السيسي، فيما لا يتوقع أحد تقريباً أن يتراجع أردوغان عن حلم عمره بتزعم الصف الإسلامي في المنطقة والعالم، في منأى عن إرهاب داعش والقاعدة، ولكنْ مع إبقاء حبل التشدد النسبي جاهزاً للاستخدام إذا لزم الأمر.
صحيح أن أردوغان سمح للإسرائيليين بموجب الاتفاق بتمرير خط أنابيب عبر الأراضي التركية لنقل غازهم غير الشرعي ـ كأي ثروة أخرى في حوزتهم ـ إلى العواصم الأوروبية، لكن الانجازات التي حققها لأهل غزة واضحة ومن غير الإنصاف التغطية عليها، أو تجاهلها.
ورغم أنه لم يكن متوقعاً منذ اندلاع أزمة الاساطيل أن تخاطر إسرائيل برفع الحصار البحري عن القطاع، وهو أحد شروط أردوغان الثلاثة لتطبيع العلاقات بين الجانبين، فان ما تحقق على هذا الصعيد يماثل «نصف رفع» للحصار إذا جاز التعبير. فقد اضطرت دولة العدو خلال محادثات ماراثونية امتدت أكثر من عام ونصف إلى الموافقة على دخول المساعدات الإنسانية التركية دون حساب إلى قطاع غزة، واستئناف العمل في مشاريع خدمية تمولها أنقرة من بينها محطة كهرباء لتحلية مياه البحر.
هذه المشاريع لم يكن أحد يتوقع أن يوافق نتانياهو على أي منها، علماً بأنه يتعرض الآن إلى حملة انتقاد يقودها ليبرمان والحاخامات الذين يتهمون رئيس الحكومة بالرضوخ للرئيس التركي. وبطبيعة الحال فان هذه المشاريع لا ترقى إلى رفع الحصار، ولكن أعطوني بالله عليكم اسم مسؤول عربي واحد قدم لغزة ولو جزءاً مما قدمه أردوغان، ربما باستثناء القيادة القطرية التي مولت مشاريع بناء مليارية قبل خمسة عشر عاماً.
أكثر المسؤولين العرب متواطئون مع الحصار خصوصا السيسي الذي يغلق معبر رفح بنسب لم يعرفها حتى عهد حسني مبارك، كما «يهاجم» القطاع بمياه البحر لردم الأنفاق وإفسادها.
سبق لنتانياهو أن اعتذر عن جريمة «مرمرة» التي راح ضحيتها تسعة أتراك سيقدم لعائلاتهم مبلغ عشرين مليون دولار كتعويض. الاعتذار والتعويض شرطان تمت تلبيتهما، ولكن كما قلنا، فان الحصار لم ولن يرفع، إلا بالقوة العسكرية، أو على جثة نتانياهو كما قال ذات مرة.
في النهاية نقول إنه لا يعقل إطلاقاً أن نطالب تركيا أو أردوغان أن يكونا عربيين أكثر من العرب، رغم أنهما كانا كذلك طوال الأزمة. وبالمحصلة نجح الرئيس التركي في الحفاظ على صورته كمدافع عن حقوق مليوني فلسطيني في القطاع، وفي إبقاء مكاتب حماس مفتوحة في تركيا.
وفي خطوة أخرى ذكية اعتذر الرئيس التركي لبوتين عن اسقاط طائرة السوخوي العام الماضي، مما سيضع العلاقات بين البلدين على طريق التسوية، وهذه قصة أخرى تحتاج إلى تعقيب.
في كل الأحوال نقول: شكراً أردوغان.. فأنت لم تقصر أبداً بحق الشعب الفلسطيني.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
29/06/2016
1587