+ A
A -
قرر حوالي 52 % ممن يحق لهم التصويت في المملكة المتحدة التخلي عن عضوية الاتحاد الأوروبي، قرار كان بمثابة الصدمة في داخل المملكة المتحدة وخارجها. عنصر المفاجأة هذا يرتبط قبل كل شيء بطبيعة التصور الموجود عن بريطانيا ومعها أوروبا في أجزاء كبيرة من هذا العالم. تصور مرتبط بذاكرة عن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وعن قارة تسمى بالعجوز منسجمة من حيث القيم السياسية والاجتماعية، وان هذه القيم لا يمكن ان تدفع أي من هذه الأطراف إلى مغادرة ذلك الفضاء المفترض القيمي المشترك.
عنصر المفاجأة في ما حدث في بريطانيا مرتبط بثلاثة رسائل مهمة إلى الداخل البريطاني وكذلك الخارج:
الرسالة الاولى: ان الحديث عن القيم المشتركة والمشتركات الأخرى هو أقرب إلى التدليس، فتلك المجتمعات شهدت حروب طاحنة فلماذا يستغرب ان تحدث في خريطتها الإنسانية والجغرافية بعض التشققات والتصدعات؟
الرسالة الثانية: ليس صحيحاً القول ان الهويات المحلية اختفت وان النظام الاقتصادي والاجتماعي في تلك الدول قد اوجد المدينة المفاضلة التي لا فقر فيها ولا عدل. ما ظهر من التصويت في المملكة المتحدة أظهر بشكل جلي أن هناك شعوراً قومياً آخذا في التشكل، وأنه تتم تغذيته بفضل عوامل مرتبطة بالمهاجرين وتراجع الاوضاع الاقتصادية للطبقة المتوسطة التي تنظر إلى هؤلاء المهاجرين حتى وان قدموا من البلدان الأوروبية التي تشاركهم الكثير من القيم على انهم مشاريع تهديد لوظائف أبناء تلك الطبقة المتوسطة والخدمات المقدمة لهم.
في هذا السياق ظهر التباين بين ما يريده الجيل الشاب وبين ما يريده كبار السن، حيث صوت 75% من نسبة 48% والتي أرادت البقاء في الاتحاد لصالح البقاء، مؤشر يعكس فجوة بين الأجيال في ما يتعلق في المستقبل.
غير بعيد عن هذا الامر ثمة انقسام بين أجزاء الوطن الواحد لا سيما بين إنجلترا واسكتلندا وايرلندا، انقسام ظهر بشكل كبير في التصويت، فالنسب العالية لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي أعطت صورة جلية بأن هذين الجزءين من المملكة المتحدة يسيران في طريق مختلف، وأن المستقبل قد يأخذهما بعيداً عن تلك المملكة.
الرسالة الثالثة: المملكة المتحدة والتي كانت بعض دول الاتحاد تصفها بالدولة المدللة والتي تستفيد من الاتحاد دون ان تلزم نفسها بالكثير من المقيدات، تظهر بعد التصويت وكأنها اطلقت النار على قدميها. فعلى سبيل المثال يعتمد القطاع الاكاديمي والجامعات البريطانية على مصادر تمويل بحثية في معظمها أوروبية تصل إلى اكثر من مليار يورو، كما ان رياضة كرة القدم البريطانية تعتمد على العديد من اللاعبين الأوروبيين الذين لن يكون بمقدورهم اللعب في حال بدء تنفيذ الخروج. لقد قدرت بعض شركات تقييم الاخطار ان يخسر قطاع كرة القدم حول 70% من عوائده في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
لقد فرضت الحكومات البريطانية المتعاقبة قواعد اللعبة على دول الاتحاد طوال 43 عاماً، لم تدخل في اتفاقية الشنغن وفرضت من القوانين التي ساعدت تجارتها وصناعاتها بل وحضورها السياسي العالمي.
كانت تدخل المشهد الدولي بقبعتين احداهما انها عضو في مجلس الأمن ومن نادي الكبار، والثانية انها لاعب من العيار الثقيل في اتحاد ذي وزن ثقيل سياسياً واقتصادياً. فرضت كل ذلك -ربما– باسم الشعب، لكنها بعد كل ذلك تعود وبسبب رأي ذلك الشعب تلملم نفسها لتخرج من هذا الاتحاد.
حدث من العيار الثقيل على مستوى القارة العجوز، لكن آثاره ستمتد تدريجياً إلى خارجها إن بقيت الأمور على ما آلت اليه بعد التصويت.
بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
29/06/2016
2837