+ A
A -
بقليل من المجازفة يمكن القول أن استفتاء الجمعة الذي أقر بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي،بفارق ضعيف من الأصوات،تعبير واضح عن نهاية «أوروبا السياسية». ذلك أن هذا القرار يعني بالأساس أفولا للحلم الأوروبي الذي لم يعد قادرا على تعبئة المواطنين كفضاء للتقدم الاقتصادي والرخاء الاجتماعي والتعايش الثقافي.
طبعا ظلت بريطانيا،لأسباب تاريخية موزعة بين الهوى الأوربى والهوى الأميركي،ولذلك كانت عضويتها في الاتحاد الأوروبي عضوية متشرطة ومتطلبة، ومن ذلك رفضها للانخراط في «فضاء شنغن» أو في نظام «اليورو»،ولذلك ربما ظلت دائما على مسافة انتقادية من نفوذ الزوج الألماني -الفرنسي.
تداعيات هذا الخروج،قبل أن تكون أوروبية في الأساس،ستكون في البداية بريطانية -بريطانية،ذلك أن المملكة المتحدة صارت مهددة جديا بالتفكك، ذلك أن «اسكتلندا» قد أصبحت عمليا على أبواب استفتاء لمغادرة بريطانيا بالنظر لتمسك مواطنيها بخيار الاتحاد الأوروبي،وهو أمر يمكن أن تعرفه كذلك» ايرلندا الشمالية «أو»ويلز»لتنكمش بريطانيا،في نهاية هذا السيناريو الواقعي، إلى حدود ما كان يعرف بإنجلترا.
بعيدا عن الاتحاد البريطاني،التداعيات كذلك جدية على مستوى القارة العجوز،فالتيارات اليمينية المتطرفة في الدول الأوروبية الكبرى،ستعتبر أن الاستفتاء البريطاني،بمثابة سقوط قطعة الدومينو الأولى،والتي لاشك سيكون لها ما بعدها.فسواء في فرنسا أو ألمانيا أو هولندا أو إيطاليا أو السويد،استعملت نفس العبارات وتكررت ذات المقولات حول ضرورة تملك الشعوب لسيادتها،وحول الحاجة لتحرير القرار السيادي الوطني في مواجهة تحديات الهجرة والإرهاب.
استفتاء الجمعة،ليس حالة سياسية بريطانية،لكنه جزء من المزاج الأوروبي العام،الذي فقد الثقة في الانتماء إلى هوية أوروبا سياسية وموحدة،نتيجة تعمق وضعية إنكفاء هوياتي بدلالات وطنية شوفينية،تغذيها كراهية مقيتة للأجانب.

بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
01/07/2016
3120