+ A
A -

جَاء العيْد السَّعيد ليُجدد سعادتنا وبهجتنا وسرورنا، ومنذ 2004 وغيري وأنا نردد ما قاله المتنبي:
«عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ... بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ»
مشاهدُ قتل، وذبح، ودمار، مدنٌ تحولّت لمقابر، أصوات متفجرات، ورصاص، وقنابل، وصواريخ...إلخ. مهما حاولنا أن نعيش الابتسامة، وأن نفرح بهذه النعمة والعطيّة الربّانية وأن نردد من أعماق قلوبنا: «مرحبًا بالعيد السعيد»، إلا أن قلوبنا مفجوعة، خائفة، متوجسّة، تَنْتَظر وتَنْظُر وتترقب حال إخوانها في الإنسانية والعقيدة واللغة، يُذبّحون ويُشَرّدون ويُهَجّرون، قسوة وعنوة، في ذلٍ وخنوع.
ومهما حاولنا استئصال الأحاسيس المتقاربة والمتناقضة والمتناثرة حيال أولئك المستضعفين، من أجل أن نلبس فرحة العيد، نجد أنفسنا غالبًا متوشحين برداء الحواسّ المعطلة، والذاكرة المشوشة، والتعابير المتلعثمة؛ لأننا مرتبطون بهم مهما بَنَيْنَا بينَنَا وبينهم جسورًا وهميّة؛ من الاختلاف والخلاف والبعد والمسافات، ومهما تحجّجْنا بأعذارٍ لردع قلوبنا عن الالتفات إليهم، تأبى قلوبنا ذلكَ مُذكرةً لنا بقواسم التشابه والتطابق.
وكأنّ الفرحة هنا – في بلداننا الآمنة- تجلِدنَا بِتوسّلها اللحوح؛ لمد يدِ العون لأولئك الضعفاء، والمساكين، والحائرين تحت السماء القاتمة، والأرض المرتجفة. وأيّ عونٍ نستطيع تقديمَه يا الله؟! إلا الدعاء، والصدقة، ولربمَا بحياء الكتابة بأحرفنا التي نتشارك لغتها؛ للتعبير عن معاناتهم، وفي ذات الوقت إخبارهم بأننا نشعر بما يمرون به، نربّت على أكتافهم المتدلية والمتعبة بالكلمات، - هذا إن بَقِي لدى البعض أطراف مكتملة-، لعلنا نستطيع مشاركة أوجاعهم ومخاوفهم، ولعلنا نعبّر عن قلقهم وجوعهم وعطشهم، ولِنَمنح مساحةً للحديث عن لوعةِ الفقد والفراق والشوق والاحتجاج على الصمت الذي قيّدنا عن قول: «لا» حين كان بإمكاننا فعل ذلك.
آه، كدتُ أن أنسى في وسط مقالي التعيس، والذي بات يتأتئ بسبب عجزه عن التعبير عن حالة الحزن التي نشبتْ سكّينها في صدري، أن الخوف بشعٌ وقاتل، الخوف بغيضٌ جدًّا، فكم قَتَل الكثيرين منهم دون أسلحة، ويا ترى كم سَيُدمّر من أولئك الضعفاء من النساء والأطفال والعجائز والمقعدين؟!.
أستغيث كما يستغيثون: ارحهم يا الله! وأسأل الله ألّا يمر علينا وأن يقي بلداننا ويسبغ عليهم وعلينا نعمتي الأمن والأمان، وأن يُنجينا من ذلك الشعور المرعب حين يظنّ أحدهم أنه الضَحيّة التالية، أو السجين الآخر، أو الأسير المُتوقّع، بل الأمر يتجاوز ذلك حين تُنتهك مقوّمات الإنسانية، بالاستعبادِ والاسترقاقِ والاغتصابِ والتحرشِ! حين التجرّد من الكرامة كُرهًا.
كيف يهنأ لي أو لغيري بال، ونحن نرى أمًا ثكلى تنوح على فقيدها، أو أبًا يُنازع روحه أن تستقر في جسد ابنه الراحل!، أو زوجة تتوسل الله أن يمنح زوجها بعض الوقت؛ لتقول له: «ابقَ بجانبي، احمني فأنا خائفة!». وماذا عمّن فقد اثنين أو ثلاثة أو أربعة؟! ماذا عن العوائل التي أُبيدت دون رحمة؟!. بل كيف لإنسانيتنا أن تنأى بنفسها عن مشاركة أبناء جلدتها آلامهم؟! كيف لآذاننا أن تتحمل أصوات النواح والنحيب والعويل؟! وكيف لأعيننا أن تغضّ الطرف عن صور المجازر والمقابر!؟
كيف وكيف وكيف...؟! وللأسف نعجز عن الإجابة؛ لأنها وإن أتتْ، تكون في الغالب باهتة وضعيفة وهشّة، إجابة لا تشفي غليل أولئك الجرحى والمكلومين. وقد نتقاسم بعض ما يعانون بالمشاعر والكلمات، لكن!، ثم ماذا؟! نعيش التناقض في خوفنا عليهم؛ لأنها الحقيقة، فأيدينا تبدو وكأنها مبتورة، وأصواتنا بكماء، وآذاننا صماء، وعيوننا عمياء! فمتى ستمتثل البشرية لقوله تعالى: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» [المائدة: 32].
بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي
copy short url   نسخ
09/07/2016
2857