+ A
A -
بعد مرور أكثر من شهر على دعوة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية لازال المشهد يراوح مكانه فمنذ إعلانه يوم 2 يونيو عن مبادرته لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الاتحاد العام التونسي للشغل (ممثل النقابات) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (ممثل الأعراف) بالإضافة إلى أحزاب الائتلاف الرباعي الحاكم وشخصيات مستقلة تواصلت المشاورات ليتم الإعلان يوم 03/07 عن وثيقة «أولويات حكومة الوحدة الوطنية».
والتي أمضى عليها ممثلو اتحاد العمال واتحاد الأعراف واتحاد الفلاحين بالإضافة إلى ممثلي رباعي الائتلاف الحاكم (يضم أحزاب نداء تونس والنهضة والوطني الحر وآفاق تونس) بالإضافة إلى ممثلي خمسة أحزاب أخرى ساهمت بتقديم مقترحات كتابية لوضع الخطوط العامة لعمل حكومة الوحدة الوطنية المزمع تشكيلها.
وقد تضمنت الوثيقة ضبط ستة محاور كبرى للعمل باعتبارها أولويات عاجلة وهي إجمالا تتمثل في:
ـ كسب الحرب على الإرهاب
ـ تسريع نسق النمو والتشغيل
ـ مقاومة الفساد وإرساء مقومات الحوكمة الرشيدة
ـ التحكم في التوازنات المالية ومواصلة تنفيذ سياسة اجتماعية ناجعة
ـ إرساء سياسة خاصة بالمدن والجماعات المحلية
ـ دعم نجاعة العمل الحكومي ومواصلة تركيز المؤسسات
وفي قراءة سريعة للتفاصيل الواردة حول هذه العناوين الكبرى للمهام المقبلة لحكومة الوحدة الوطنية يمكن القول أنها ظلت في مستوى الشعارات ولم تقدم برنامجا عمليا قابل للتطبيق الفعلي بقدر ما ظل ضمن الانشائيات العامة التي يمكن تفسيرها برغبة القوى المتعددة التي ساهمت في الحوار وأمضت على الوثيقة إلى الوصول إلى الأدنى السياسي المشترك والخروج من الخلافات الكبرى التي وقع تأجيلها أو بالأحرى ترحيلها إلى المستقبل بشكل يوحي أن أي حكومة مقبلة ومهما كان اسم رئيس الحكومة أو الوزراء المنتمين إليها ستظل محكومة بجملة من التوافقات والشروط ما يمنعها من اتخاذ خطوات إصلاحية فعلية (قد تكون مؤلمة ولكنها ضرورية) فالحسابات الحزبية ظلت طاغية على عملية التفاوض بين القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة.
إن الوقائع على الأرض تكشف أن أي تشكيل حكومي قادم سيظل محكوما بهاجس التوازنات التي سيقوم عليها بالإضافة إلى عامل الحسابات السياسية المعقدة التي تحكم المشهد في أفق الانتخابات القادمة. فليس من السهل اتخاذ إجراءات تقشفية أو القيام بخطوات إصلاح اقتصادي دون أن يكون لها اثر اجتماعي أو أن تتحول إلى مجال للتجاذب والصراع السياسي وتحميل المسؤوليات وعلى هذا فإن خطوة رئيس الدولة تبدو وكأنها محاولة لتدوير الأزمة أكثر مما هي محاولة فعلية لمجاوزتها.
والمشكل الحقيقي لا يكمن في عجز أحزاب الحكم فحسب بل وما تبدو عليه قوى المعارضة المشتتة من غياب للقدرة على المنافسة أو تقديم بدائل فعلية للحكم فهي قوى احتجاجية في غالبها وتفتقر إلى شخصيات فاعلة أو قادرة على إدارة الشأن العام وهي في هذا تمنح مرة أخرى المبرر لأحزاب السلطة الحالية لتبرير عجزها خاصة في ظل العرض الرئاسي لغالب الأحزاب البرلمانية للمشاركة وهي التي تتمنع. فالمبادرة الرئاسية الأخيرة ومهما كانت طبيعة مخرجاتها هي مناورة سياسية بامتياز سيكون لها أثرها في إعادة تشكيل المشهد الحزبي التونسي وربما تحجيم دور القوى الاجتماعية الكبرى ولكن دون أن يعني كل هذا القدرة على إرضاء الشارع ولجم تحركاته التي ستتواصل وهو ما يعبر عن حيوية المشهد السياسي التونسي بعد الثورة واستمرار المخاض الديمقراطي الذي سيفرز مستقبلا قوى وشخصيات قادرة فعلا على النهوض بهذا البلد وتحريره من بقايا الماضي والولوج به نحو مستقبل أفضل.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
12/07/2016
2172