+ A
A -
يعتبر «كرم دوس» أعذب شخصية أبدعها «علاء الأسواني» في رائعته « شيكاجو» رغم ما ردده البعض أنها واقع عاشه أشهر جراح مصري، حاصل على الجنسية البريطانية و لقب سير.
و القصة بالأسماء المستعارة كما رواها «الأسواني» نصاً، تحكي عن طالب مصري غير مسلم عانى من ظلم أستاذه الدكتور « بلبع «، الذي رفض الموافقة على دراسة «كرم دوس» للجراحة لمنع غير المسلمين – من يسميهم الخواجات- بأن يصبحوا جراحين بمستشفيات مصر، فاضطر «دوس» للهجرة لدراسة الجراحة على نفقته الخاصة.. و تعدوا السنوات ليصبح «دوس» أشهر الجراحين في أمريكا.
و بإحدي الليالي كان «كرم» يستعد لمغادرة مكتبه عندما سمع صوت الفاكس، فقرأ:
من مكتب وزير التعليم العالي المصري:
إلى البروفيسير كرم دوس.. مستشفى ويسترن شيكاجو:
لدينا أستاذ جامعي مريض يحتاج فوراً لإجراء عملية لتغيير الشرايين.
برجاء الإفادة بإمكانية قبوله من عدمه.
اسم المريض:الدكتور عبد الفتاح بلبع!
إذن أستاذه مريض و يطلب منه هو بالذات - دونما جراحين الكون- إنقاذ حياته!
شرع يضحك بقهقهات عالية، لكنه عاد و فكر.. ما يحدث الآن عادل.
ألم ُيضطَهد ؟ ألم ُيظلم؟ ألم يهان؟
الرجل الذي حكم بعدم صلاحيته للجراحة، فقضى على مستقبله داخل وطنه و أصدر ضده قرار النفي.
نفس هذا الرجل يمرض و يتوسل إليه لإنقاذه!
حسناً يا أستاذي.. إذا أردتني أن أجري العملية، فيجب تصفية حساباتنا القديمة.
كم مرة يجب أن تعتذر عما فعلت؟
مائة مرة، ألف، لكن بماذا يفيد الاعتذار الآن؟
فاتخذ قراره بعدم اجراء العملية لأستاذه، فليبحث عن جراح آخر أو فليمت.
سيعتذر عن إجراء الجراحة، و سيكون اعتذاره بارداً و متعالياً لأقصى درجة.
بدأ يكتب الرد، لكنه فجأة نهض من مكانه وتذكر الله.
أغمض عينيه فترة، ثم قام و جلس أمام الكمبيوتر، فوجد نفسه يمحو ما سطره و يكتب بصيغة أخرى:
من: كرم دوس
إلى: مكتب وزير التعليم العالي
البورفسور عبد الفتاح بلبع كان أستاذي خلال دراستي في كلية الطب..سأبذل وسعي لإنقاذ حياته..اتخذوا اللازم للسفر لأمريكا بأقرب فرصة.
التكاليف ستقتصر على أتعاب المستشفى لأنني متنازل عن أجري، تقديراً لأستاذي!
أرسل الفاكس و لدى إخراجه لإشعار الوصول، دس رأسه بين يديه وأجهش بالبكاء!
يقول مساعدوه: لم يجر دكتور « كرم» عملية قط كتلك التي أجراها لأستاذه.
و كأن كل ما تعلمه في الجراحة قد تركز في يديه ذاك الصباح، ثم تابع حالة أستاذه و أخبره أنه سيكون بمقدوره الاشتراك في مباراة كرة لو أراد.
و حين قام لينصرف، أمسك أستاذه بيده فجأة وقال بوهن:لا أعرف كيف أشكرك يا دكتور كرم.. سامحني.
ارتبك «دوس» قليلاً، ثم أمسك برفق بيد معلمه و كاد التفوه بشيء، لكنه اكتفى بابتسامة مرتبكة و أسرع خارجاً.
كثر منا يخيل له قدرته على ممارسة تسامح «كرم دوس»
كثر منا يتوهم استطاعته على تفعيل «اذهبوا فأنتم الطلقاء».. لكن شتان بين قول و عمل.
فمعظمنا جان و أي جان و بعضنا قاتل في غير ثار!
و إن يكن العفو صفواً يملأ النفس سلاما
و التأماً لا انكساراً و عزة لا هوانا

بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
16/07/2016
2149