+ A
A -
ماذا لو تمكن الانقلابيون ليلتها من السيطرة على مدن تركيا الكبرى، وعزل قيادة البلاد السياسية؟ هل كان الانقلاب لينجح ساعتها؟ ماذا سيكون حال تركيا في اليوم التالي؟
هذه وسواها أسئلة مشروعة، وكان يفصلنا عنها ساعات قليلة حاسمة، وقد ساد شعور لدى الكثيرين في البداية أن الانقلاب نجح بالفعل، لكن أحدا منا، وتحت وقع الصدمة لم يفكر بأسئلة اليوم التالي.
في اعتقادي أن القول بأن الانقلاب كان قاب قوسين أو أدنى من النجاح ينطوي على مغالطة كبيرة، تتجاهل حقائق الواقع التركي.
مضى على آخر انقلاب عسكري في تركيا نحو 35 عاما، شهدت خلالها البلاد تحولات سياسية واقتصادية كبرى، كما شهدت تغيرات جوهرية في موازين القوة في الدولة والمجتمع التركيين.
كان نزول بضع دبابات إلى الشارع في الماضي، وإعلان الأحكام العرفية كافيا لاستسلام جميع القوى، وسيطرة الجيش على مقاليد الحكم، دون مقاومة تذكر، تكرر هذا السيناريو عدة مرات في تركيا، لكن ثلاثة عقود ونيفا من التحولات، جعلت ذلك مستحيلا في المستقبل.
في العقد من عمر تركيا، والذي شهد استقرارا كبيرا في دورة الديمقراطية والحياة السياسية، تبلور كتلة اجتماعية ضخمة، من مختلف الفئات والطبقات، والمؤسسات العامة والخاصة، ترتبط مصالحها بشكل مباشر بالديمقراطية ونظام الحكم المدني، وحققت هذه الكتلة الغالبة والعريضة في المجتمع التركي مكاسب اقتصادية واجتماعية هائلة، بفعل مسار الديمقراطية المستقرة، لا يمكنها أن تتنازل عنها بأي حال من الأحوال، لا بل إنها مستعدة لتقديم التضحيات من أجلها إذا ما تطلب الأمر.
طلائع هذه الكتلة الاجتماعية هي التي أفشلت الانقلاب في تركيا، عندما نزلت بالآلاف إلى الشوارع خلال ساعات، وسدت بأجسادها العارية الطريق أمام دبابات الانقلابيين، وممثلوها في أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، هم من بادروا إلى ملاحقة الانقلابيين والقبض عليهم في الشوارع.
لو نجح الانقلابيون في الصمود لأيام أخرى ماذا كان سيحدث؟
ببساطة سينزل الملايين من الأتراك إلى الشوارع والساحات العامة، فتنشل الحياة العامة، ويعجز الانقلابيون عن تسيير أمور البلاد، وتسقط بشكل اوتوماتيكي سلطة الانقلاب.
لنفترض سيناريو أسوأ من هذا؛ تمكن الانقلابيون بدعم من كل الجيش من الإمساك بمقاليد الحكم، عندها ستتحول المواجهة إلى حرب أهلية طاحنة، تعرض وحدة البلاد إلى التفكك والانهيار.
ومثلما بدا واضحا من ردود الفعل العالمية، فما من قوة دولية أو إقليمية ترغب لتركيا الدخول في نفق الحرب الأهلية، لأن موقع تركيا الاستراتيجي، يعد ضمانة أساسية للأمن اوالسلم العالميين.
وانهيار تركيا كان يفتح الباب على مصراعيه لحروب عالمية كارثية، وفوضى تطيح باستقرار روسيا وأوروبا، ودول الإقليم.
لقد بنى الانقلابيون فرضياتهم على وهم، مفاده أن الجيش هو الضامن لوحدة تركيا واستقرارها، وهذا ليس صحيحا. في كل الأحوال، كان الانقلاب ليفشل في تركيا، حتى لو صمد لأكثر من بضع ساعات.
الحقائق الموضوعية تفيد بما لا يدع مجالا للشك بأن زمن الانقلابات ولى إلى غير رجعة، التجربة التركية أمدتنا بالدليل القاطع.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
21/07/2016
2501