+ A
A -
تحتفظ العائلة بتسجيل صوتي لوالدتي وهي على فراش الموت. بعد أن نهش السرطان جسدها الضعيف، افترس احشاءها، بلغ الضلع فكسره، ثم حبس أمعاءها، وكاد أن يصل لأطراف الرئة. يسألها أخي: «شلونج يمه»، ترد عليه بصوت ضعيف لا يكاد أن يبين: «أنا بخير الحمد لله». منذها والسؤال الكبير في داخلي يتشعب، ينطوي ثم يتمدد، وأحيانًا يزأر بشدة: كيف يمكن أن نكون بخير، ونحن نتألم؟
أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، قروبات الواتساب، وأجد الغالبية تقول أننا لسنا بخير! النساء يصرخن من اضطهاد الرجل، من البطالة، من الفراغ! الرجال يلعنون مدراءهم، رواتبهم، مسؤولياتهم، درجة الحرارة، ارتفاع الأسعار.. و.. الخ!
المراهقون والعمال والسياسيون ورجال الأعمال، أنا وأنت.. الجميع يتذمر، كلنا نشعر بأننا لسنا بخير!
كتبتُ تغريدة قبل أيام بأن المرأة بخير، وأنها كافحت وظفرت. إن أول من شتمني هن النساء!. إحداهن قالت أنني لا أتضامن مع قضايا المرأة، قال آخر: أنني في ترف ولا أعرف طعم المعاناة. وقتها كنت أريد أن أبذل ولو بشيء بسيط، تغريدة مثلا، لتغيير نبرة التظلم البغيضة، والمرضية التي تسود اليوم، وتفترس كل مشاعر الاعتزاز والسلام والتفاؤل. من منا لم يتعرض لظلم؟ من منا يمتلك حياة كاملة؟ لم يفقد عزيز أو يلسعه الحرمان؟ الحياة برمتها منزلق خطر، ولا يمكن مهما بلغنا من الذكاء والقوة أن نتحاشى التعثر أو السقوط. لكن لماذا لا نحب النهوض؟ الابتسام؟ ألا يهزمنا الألم؟
حين نتألم فإننا قد نبكي، نصرخ أو نبوح. حينما يظلمنا أحدهم فإننا نشعر بالحنق وقد نخبر الآخرين وندعو على الظالم. تلك ردود فعل حيوية وديناميكية لا يمكن محاكمتها. لكن المرض يكمن في استمرار حالة التظلم، في أن يتوغل بنا الألم فلا نشعر إلا به. ليس الهدف من الآلام أن نتحول لمتذمرين، لضحايا ومظلومين. كم جميل أن يواسينا الآخرون، لكن أن يراك الآخرون مجرد ضحية هذه مشكلة، المشكلة الأكبر أن تستمتع بكونك ضحية. الألم موجود ليوجد الدرس. لنتجرعه كالدواء ثم نتعافى سريعا.
جرب أن تستشعر العافية، الجمال، الهدوء، السلام. قل أنا بخير، حتى وإن اعتلج الألم بداخلك.. قلها واخرج من جبة الضحية الثقيلة.
KOWTHERMUSA@

بقلم : كوثر الأربش
copy short url   نسخ
21/07/2016
5365