+ A
A -
نجت تركيا ومعها الجغرافيا والبشر وفكرة الدولة من أن تتحول إلى دولة فاشلة. لقد كان صباح السادس عشر من يوليو 2016 مختلفاً بكل المقاييس لكل تركي يحب تركيا ويشعر بشيء من الغرور القومي الايجابي. لقد تجاوزت تركيا مرحلة الخطر من تبعات الانقلاب العسكري الثاني في منطقة الشرق الاوسط بعد الانقلاب الذي قاده الجيش المصري على أول رئيس مصري منتخب في العام 2013
مع اعلان الحكومة حالة الطوارئ ومصادقة البرلمان عليها لمدة ثلاثة أشهر، وانتقال معظم الصلاحيات القضائية والتشريعية إلى السلطة التنفيذية وعلى رأسها الرئيس رجب طيب اردوغان يستكمل النظام السياسي خطوات استعادة زمام المبادرة والخروج من مرحلة الصدمة إلى مرحلة الفعل والمواجهة للانقلاب العسكري، مرحلة لا تبدو يسيرة بالنظر إلى الخطوات التي تتطلبها وطبيعة ردود الفعل التي يمكن أن تصدر من أطراف خارجية وداخلية. في ثنايا كل ذلك ثمة جوانب لا تبدو مروية بالنسبة لما حدث في تركيا، جوانب ربما تساعد في فهم الانتقال السريع والواثق الذي ظهرت في مؤسسة الحكم في تركيا.
لقد ظهر قدر من التعالي على الاختلافات الداخلية سواء داخل حزب العدالة والتنمية أو بين الحزب وأحزاب المعارضة. ولقد ظهرت تجليات ذلك في الظهور القوي والحازم لكل من الرئيس رجب طيب اردوغان والرئيس السابق عبد الله غل ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود اوغلو. إن الكلمات التي قالها غل تعكس حالة الحزم عندما قال «إن تركيا ليست دولة في افريقيا أو في أميركا اللاتينية. لقد عكست هذه الكلمات تفكير النخبة في الوطن الذي ينتمون له وهو أمر سرعان ما انتقل إلى الرأي العام عبر وسائل الاعلام. المستوى الآخر من التعالي ظهر في الظهور المبكر لزعماء المعارضة ورفضهم للانقلاب على المؤسسات المنتخبة. لحظات التوحد تلك ظهرت حاسمة في تحديد خيار الاتراك مما أعطى لحركة الشارع المستجيبة للرئيس زخماً كبيراً.
بقدر ما يبدو فشل المحاولة الانقلابية ساراً للكثيرين في تركيا وخارجها بقدر ما يطرح الكثير من التحديات التي تواجها تركيا على المدى المنظور، تحديات تتعلق في تقليل الخسائر لتلك المحاولة الانقلابية والعودة إلى مضمار البناء والمشاركة في السياسة الخارجية والإقليمية.
إن ارتفاع عدد المتهمين في التورط في تلك المحاولة ومدى تغلغل حركة فتح الله غولن في المجتمع تحد يحتاج قدراً من الموازنة بين حاجة الدولة والمجتمع إلى الأمن وبين اعتقال الآلاف وما يترتب على ذلك من تبعات سلبية على أعمال المؤسسات والعائلات والقواعد الاجتماعية التي ينتمون لها في مختلف أنحاء تركيا. يضاف إلى ذلك خسارة الدولة والمجتمع الآلاف ممن هم مؤهلون - في القطاع العسكري أو التعليمي أو القضائي - وتوفير بديل لهم بنفس الكفاءة ربما سيحتاج إلى بعض الوقت.
الانقلابات خطيئة كبرى في المجتمعات، كما أن تكلفتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية كبيرة. ان تجارب العشرات من الحالات الانقلابية لم تنجح في صناعة نموذج يستهدف بناء الإنسان الحر، بل على العكس من ذلك فهي تعمق فكرة الخوف والدولة الأمنية البوليسية، كما انها تختطف إرادة الناس ومعها الموارد الاقتصادية. في هذا السياق يأتي النموذج المصري في الانقلاب.
تبدو تجربة الربيع العربي ولا سيما في مصر وكذلك ارتداداتها في دول أخرى عامل تأثير قوي في الدفع بالغالبية من الاتراك نحو التمسك بفكرة الدولة والاستقرار السياسي الذي لا يعني بالضرورة التوافق على كل شيء.
لقد كان الخطب جللاً لكن تركيا نجت بفعل ثلاثية الإنجاز الذي تحقق والقيادة المستندة إلى قاعدة شعبية لا يستهان بها والشعب الذي تعمقت فيه حالة الغرور القومي الايجابي.

بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
27/07/2016
2697