+ A
A -
منذ أن أعلن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي عن رغبته في تشكيل حكومة وحدة وطنية وتواصله مع قوى حزبية وأخرى اجتماعية والتوافق معها على وضع أولويات لحكومة قادمة تصاعدت الضغوط على رئيس الحكومة الحبيب الصيد من أجل تقديم استقالته، وتمسك هذا الأخير بحقه الدستوري في إعادة عرض حكومته أمام مجلس النواب رافضاً كل أشكال الوعيد التي تراوحت حسب تصريحه لإحدى القنوات التليفزيونية بين التهديد المباشر بالاستهداف وبين طلب الاستقالة بصورة هادئة تجنيباً للبلاد لأزمة دستورية.
وفي كلمته أمام مجلس نواب الشعب في الثلاثين من يوليو أكد رئيس الحكومة أن اللجوء إلى البرلمان لطلب تجديد الثقة لا تعني رغبته في البقاء في المنصب بقدر ما يريد أن يكرس احترام دولة القانون. غير أن الهدف من إصرار رئيس الحكومة المُقال على الانضباط للآليات الدستورية هو رغبته في تأكيد جملة من الأمور والتي عرض بعضها أمام مجلس النواب وأهمها حسب قوله احترام الدستور وفي ذات الوقت التذكير أن التقصير الذي وقعت فيه الحكومة لا يتعلق بشخصه بقدر ما يرتبط بالتجاذبات السياسية التي يعانيها الحزب الحاكم نداء تونس وإصرار شق نافذ من داخله على تغيير الحبيب الصيد على أمل المجيء بشخصية سياسية قريبة منه، دون أن نغفل ما تعرض له رئيس الحكومة المنصرفة من تعطيل خصوصا في تمرير القوانين الأساسية من طرف مجلس النواب وهو أمر أشار إليه الحبيب الصيد بكل مرارة في كلمته التي توجه بها إلى نواب الشعب.
وقد كانت ردود أفعال النواب توحي وكأن الغاية من التعديل هي مجرد إبعاد رئيس الحكومة الحالي خاصة إذا تم الاحتفاظ ببعض الوزراء الفاشلين المنتمين لحكومته.
لقد كان واضحاً منذ البداية أن الرباعي المشارك في الحكم ونعني به حزب نداء تونس وحركة النهضة والاتحاد الوطني الحر وحزب آفاق تونس لن تقدم طوق النجاة لرئيس الحكومة الحالي، وفي المقابل فإن مجموعات المعارضة قد تصرفت بلامبالاة واعتبرت أن إقالة الحكومة لا تعنيها في شيء ولا تمثل تطلعاتها أو ما تهدف إليه في مطالبها السياسية. إن ما جرى في البرلمان التونسي يوجه رسالة للحكومة المقبلة أنها ستكون عرضة لاهتزازات مشابهة وأن القرار سيظل دوماً في يد الأحزاب الداعمة رغم الصلاحيات الواسعة التي يمنحها الدستور التونسي لرئاسة الحكومة وهذه معضلة ينبغي لأصحاب القرار الانتباه إليها لأن استمرار الوضع غير المستقر لحكومة البلاد يمنع من تحقيق انجازات فعلية ومؤثرة. وبغض النظر عن السياقات العامة لإقالة رئيس الحكومة التونسي من خلال سحب الثقة من حكومته عبر البرلمان فإن الحدث في ذاته له دلالات مهمة يمكن اختزالها في جانبين أساسيين، أولهما أن سرعة الإطاحة دستورياً بالحكومة الحالية والتي تعتبر الحكومة السادسة بعد الثورة يكشف عن حالة من الهشاشة السياسية أفضت إلى نوع من عدم الاستقرار تعود أسبابه إلى نظام انتخابي غير متين يسمح بتفتت الأصوات ويمنع من تشكل كتل كبرى يمكنها الحكم بمفردها وتحمل مسؤولية المرحلة وفي ذات الوقت مشهد حزبي معارض مغرق في المنطق الاحتجاجي بعيدا عن القدرة على المساهمة سواء كقوة اقتراح أو كجزء من السلطة لتطوير البلاد والخروج بها من وضعها الحالي. ومن جهة ثانية يمكن القول إن تونس بعد ثورتها بصدد ترسيخ تقليد سياسي يقوم على تداول السلطة واختيار القيادات الكبرى عبر آليات دستورية محددة بعيدا عن منطق العنف أو الفوضى الذي تعيشه دول عربية أخرى وهو أمر يمكن تثمينه في حد ذاته باعتباره لحظة أساسية في البناء الديمقراطي الذي يقتضي عملاً متواصلاً وجهداً مشتركاً ستكون له آثاره الإيجابية في السنوات القادمة.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
02/08/2016
2639