+ A
A -
بعض الأمور في الحياة نمارسها رغبة منا في الترف، وكثير منها للسير نحو الهدف، ولعل هذا ما ينطبق على إقامة المهرجانات والفعاليات التي تحكي مسيرة ثقافية من خلال ذاك المزج الجميل بين الموروث الشعبي وإحياء التراث الإنساني والشعبي بشكل متجدد لتعيد للأذهان تلك الحِرَفْ والمِهَنْ اليدوية التي اندثرت وتبرز تفاصيل مجتمعنا الجميل في بداياته، وتحكي للأجيال تلو الأجيال كفاح آبائنا وأجدادنا حتى تكَوِّن هذا الوطن كما تحكي قصص سير شعبية وطنية من الماضي الأصيل لربط ذلك بالحاضر الجميل، ومن هذا المنطلق تواصل جامعة قطر احتضان فعاليات مهرجان القرية الثقافية للعام التاسع والذي جاء هذا العام تحت شعار «قديمك نديمك» بمشاركة طلبة وطالبات الجامعة الذين نقلوا من خلال الاجنحة أو العروض ثقافة وموروث شعبي فمن السهل ان يستذكر آباؤنا هذا الموروث لمعايشتهم له ولكن جيل الآن الذي بات مغرما بالتكنولوجيا ومهتما بالتجدد والتطور ومتغافلا عن الكثير مما يرتبط بالماضي وكفاح الاجداد فذلك فعلا مدعاة للفخر ان تجد هؤلاء الطلبة يعيدون إحياء التراث بكل تفاصيله وبأدق أسراره نقلا للصورة التي لم يعيشوها الا من خلال الحكايات والذكريات والكتب المهتمة بهذا الشأن، ويحرص المهرجان كل عام لإبراز موروث بلدان الطلاب الثقافي من خلال الفعاليات المصاحبة للقرية الثقافية كالأجنحة التي أقيمت في مباني النشاط الطلابي ومن خلال العروض المسرحية التي تُخرِجُ أفضل ما في جعبة طلبة الجامعة من إبداعٍ وتميز في تمثيل موروث بلادهم الثقافي والفني بهدف تعزيز التقارب الحضاري بين طلبة الجامعة ونشر ثقافات وتقاليد طلابها وطالباتها على مختلف انتماءاتهم الوطنية في إطار تعزيز الهوية العربية، والإسلامية لطلبتها وفي الوقت ذاته التأكيد على أهمية الانفتاح على الثقافات الأخرى للشعوب والتفاعل معها لبناء مستقبل أكثر إشراقاً سعيا من الجامعة لتعزيز الأنشطة التي تساهم بدورها في صقل شخصياتهم ما ينعكس إيجاباً على واقعهم الأكاديمي وحياتهم العملية مستقبلاً، ولأن ثقافات العالم مختلفة فان مهرجان القرية الثقافية تحت مظلة الجامعة يأتي ليرسم لوحة إنسانية بديعة تنبذ العنف والعنصرية وتزيل الفوارق من خلال العرض المسرحي الذي يُضحكك كمتابع للحظة من خلال تلك الابداعات الممزوجة بنكهة الشعب المقصود وطرائفه وتبكيك لحظة اخرى من خلال نقل معاناة وحدث مرتبط عبر التاريخ بذاك الشعب أو الوطن وقد يلفت الزائر والمتابع أمر غاية في الاهمية في الحياة الجامعية والمجتمع الطلابي حيث تجد روح التعاون والعمل الجماعي بين الطلبة والطالبات فلا يقتصر العمل في جناح أو عرض لدولة ما على ابناء شعبه من الطلبة فقط وذلك ما يرسخ مبادئ الديمقراطية وتقبل الاختلاف، ولأن الجيل القادم هو المعول عليه في تطور المجتمع وهم التحدي الاكبر فان الجامعة تسعى لتعزيز ذلك باجتماع هذه الثقافات وانصهارها من خلال مهرجان القرية الثقافية التي تتخذ شعارا لها كل عام يقترن بالماضي ويجدد للمستقبل.

هنا ليس عليك قارئي العزيز إلا ان تقف احتراما لهذه الجهود الطلابية التي اظهرت إبداعا شبابيا على مستوى فكري وثقافي وقبل ذلك إنساني تحت هدف واحد اختصره شعار هذا العام «قديمك نديمك»، الذي ربط الطالب بتاريخه الحضاري وعزز تقاربه الحاضر بين الشعوب وبلا شك ذلك يهدف لتعزيز سبل الترابط بين بلدان العالم التي تبدو في أمس الحاجة للالتقاء والتقارب من خلال قنوات راقية كالقرية الثقافية وقد يبدو الأمر مألوفا ويتكرر في أماكن اخرى لكن في كل تكرار هناك فائدة وهدف منشود بل وتلك الخبرات المتراكمة عاما بعد عام أو مهرجان يتلو مهرجان هو الذي يساعد في إعداد مجاميع طلابية قادرة على النهوض بالمستقبل، اذا علينا ان نتفق ان للتراث رائحته العبقة التي يشتمّها الكبار فيحسون بالحنين له ويشتمّها الصغار فيحسّون بالفخر به فمن ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل فالتراث يحكي قصة صامتة عن حضارة مرّت من هنا وكتاب تراثي مفتوح يمكن قراءته وفهمه، كما أنه يُعتبر جزءاً من التراث الشامل للأمتين العربية والإسلامية ويُعبّر عن خصوصية المكان والإنسان.

وان كان الحديث عن هذا المهرجان في جامعة قطر فان الحديث الاهم يأتي من الرؤية الاكبر من خلال اهتمام الدولة عموما بالتراث والحفاظ عليه وذلك ما يراه الزائر حين تطأ قدماه ارض الدولة سواء في الحياة العامة والمباني أو التعامل الإنساني مواكبة مع التطور العمراني والتقدم الحضاري في مختلف مناحي الحياة القطرية حيث أولت رؤية قطر الوطنية اهتماماً ملحوظاً بالتراث والمحافظة عليه باعتباره يمثل العمود الفقري للهوية الوطنية، فالحفاظ على التراث لا يقتصر فقط على ضمان استمراريته من جيل إلى جيل بل يتعدى ذلك إلى مواجهة تحديات العولمة والانفتاح على الثقافات الأخرى التي أصبح التعامل معها ضرورة لتعزيز مكانة الثقافة المحلية والعربية

ولعل ما حققته قطر في مجال المحافظة على التراث تراه واضحا كالشمس من خلال هذه المهرجانات فهنيئا لبلد يهتم بإرثه ويسعى للحفاظ عليه، واخيرا ارجو ألا تذهبوا «زتات» دون قراءة مفرداتي الآن ودمتم بود.



بقلم : ابتسام الحبيل

copy short url   نسخ
05/03/2016
1685