+ A
A -
كتبت من قبل عن الإيمان الحر واليوم أكتب عن صهره «الحب الحر» والأخير عاطفة غير مقيدة رغم توافر فرص التنوع والخيارات، محض مشاعر غير خاضعة لنوازع ورغبات.
فغريزياً نحب أبناءنا، وبدافع رد الجميل أو الامتنان بأسر الجميل، نحب ما فعله آباؤنا تجاهنا، حب مسبب، إن لم يكن مشروطاً.
نحب الأوطان لكونها مراتع الطفولة وحقائب ذكرياتنا وكلما أعلنّا وأعلينا حب الوطن وزايدنا عليه، كبرنا بأعين مجتمعنا.
لكن أن نحب مكانا ما بلا سبب، كأن يرتاح أحدنا للإقامة بأميركا للحصول على الجرين كارد، لولادة زوجته أو لحيازة الجواز الأميركي. فهو هنا يختار المنفعة ويستطيع سرد عشرات الأسباب لتفضيله لهذا البلد.
لكن أن يختار إنسان دولة ما، لتكن البرازيل، أوكرانيا أو ماليزيا لأنه يحب المكان الذي ربما لا يعرف لغة أهله ولا دراية له بثقافته، بل ويخشى أن يسأل لم تحب السفر لتلك البقعة لأنه سيعجز عن التبرير.
قد يرغب المرء في خوض دروب العلم للحصول على مراتب علمية تنقله في السلم الاجتماعي من الحضيض للنقيض، فهذا ليس حبا حرا بل أسرا لنمط مجتمعي يمنح رتبة مقابل علم.
الحب الحر كما ورد نصاً عن العلامة عدنان ابراهيم: هو عاطفة غير مخدوعة بحماسيات، انفعالات، وجدانيات رائجة وسائدة.
الحب الحر كالسقوط الحر للأجسام بمعزل عن الهواء والحرارة أو المؤثرات.
فهو حر من رقابة المجتمع، من رقابة البوليس، حر من الرغبة، الرهبة والقانون، إلا من الله.
فأنت وحدك رقيب على ذاتك ومن ذاتك.
الحب الحر ينشأ في لحظة اختيار حر للأشخاص، للأشياء، للأماكن أو للقناعات.
حب خال من الأعباء، سوى عبء الوفاء للقناعات التي اخترتها بمحض إرادتك رغم توافر كامل الفرص لتجاهل هذا الخيارات واستبدالها.
الحب الحر لن يجعلك تحصل على أوسمة أو شعبية وحتى «لايك»، لن تحصل عليه، لكنه سيعمق احساسك بإنسانيتك وجدارتك في الاحترام الذاتي لأنك لا تصفق للجوقة، بل تمدح متى أحببت وبضغطة زر تختار إلغاء شخص، دون أي ضاغط مجتمعي.
فهناك آلاف يحبون الاستماع لسيمفونيات باخ ومقطوعات يانني وخيرت وشعر بوشكن وفلسفة راسل، لأنهم يحبون العلوم والفنون، على اختلاف مذاهبها كونها تحقق متعا فكرية أقوى من نظيراتها الحسية.
وبرغم اتساع فرص الاختيار، يظل انتخابهم لهذا الشاعر أو المفكر أو الرسام يتم بحرية.
أنت تحب خبز أمك بدافع عشرة واعتياد، لكنك محض حر في أن تحب الباييا الاسبانية أو المنسف الأردني من بيت آل هاشم أكثر من محلات الجابري.
تحب سماع خطبة السادات في الكنيست وتطرب لخطابته رغم اختلافك معه في سياساته.
تنبهر بمسلسل «حريم السلطان» رغم يونانيتك التي تستعدي الأتراك لتاريخ عداوة سحيق بين البلدين.
تهيم بالقطع في يد تمثال فينوس دي ميلو، على جهلك بأنه أوحى للمتأملين حقيقة أن الجمال الأنثوي روعته في كسره، حتى آلهة الجمال نفسها مكسورة الذراع لأن المعنى هو أنه كلما انكسرت المرأة، وفر لها الرجل الحماية لأنها مهيضة الجناح.
الحب الحر عاطفة لا تخضع للقلب المتقلب بل تشترط الوفاء للقناعات لأنها غير نابعة من اختيار حماسي مندفع بمشاعر القلب أو ما يجمع عليه القطيع بل تصدر من الوعي بالذات.
حب غير مشروط بما يحبه الآخرون، فلن يخدعك إنسان إلا إذا خدعت أنت ذاتك وأطريت ما يحبه العوام لإرضاء الذوق العام، لأنه يعينك أن ترضى عن ذاتك لا أن يرضى عنك القطيع.

بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
06/08/2016
3082