+ A
A -
البداية:
«وكلٌ في فلكٍ يسبحون»
متن:
يُفيق صباحًا ليمارس روتينه المعتاد بشركة والده التي لم يتعب بها..
يحضر متى يشاء وينصرف متى يشاء
ووجوده والعدم واحد فالعمل يُنجزه أولئك الكادحون تحت إمرته وهو بوضع «السكون»..
كل ما عليه هو الجلوس لساعات على مكتبه الفاخر والتخطيط أين ستكون وجهة سفره المقبلة وأي فندق سيسكن وكم مدينة سيزور.
قهوة وعقول وتفاصيل
وعندما جلس بين أصدقائه بذاك «المقهى» الفخم..
بدأ يُحدثهم عن ساعته باهظة الثمن وتصميمها الخاص..
ماسها وطلاء ذهبها.. لا يملكها الكثير..
ويعرج على سيارته التي لم تعجبه..
للتو رأت النور من وكالتها.. لكنها بطور التغيير.. يُشير إلى ذاك المحل.. يُشيد بجودة ملابسه وسعرها مناسب فهي تعادل راتبين لموظف «حكومي».. ثم يفترس ملامحهم ليُرتب درجاتهم قربًا وبعدًا منه حسب قسمات ذهولهم ودهشتهم فكلما زادت كلما قُرّب صاحبها إليه.. فماذا كسب؟
الآخر يتصنع الدهشة والعجب ليتقرب إليه.. رغم أنه يعيش بمستوى لا يقل ثراءً عنه.. يضحك على نكاته التافهة ويُنصت بجمود لمواضيعه الساذجة..
يسأل عن آخر مواطن سياحته ويبدي التأمل من تكاليفها ليُشعره بقيمته.. يشيد بخبرته بـ «الماركات» ويستشيره بأجمل «العطورات» ويُثني على حديثه الزائف.. يُسارع لخدمته ويُحضر له ما يُطفئ به «سيجارته».. فكان الأقرب إليه ولكن.. ماذا كسب؟
أما هو.. ثالثهم الذي ينتمي إليهم ولا يشبههم.. فموظف بسيط وراتبه يساوي مصروفهم اليومي.. لباسه محتشم لكنه ليس فاخرا.. هاتفه يستقبل مكالمات ويُرسل لكنه ليس حسب الطراز الحديث.. يسخرون من سيارته القديمة فيشاركهم الضحكات ويزيد عليها.. يُقللون من شأن وظيفته فيضحك قائلًا الحظ لا يصادف العظماء أمثالي.. يسألونه عن وجهته المقبلة في قائمة سياحته الفارغة فيُجيبهم بثقة «غرفتي وبأحضان سريري».. زادوا عليه فزاد ضحكه على الواقع وقابلهم بالابتسامة.. ثم مضى.. فماذا كسب؟
لحظة!
كيف ماذا كسب؟
على الأقل هو كسب السعادة عندما أبصر حياته بعين الواقع.. لم يخجل من أيامه ورضي بقسمة الله في أمره.. قابل رذيل ثرائهم بجود نفسه وأخلاقه..
هم ستمضي أيامهم يبحثون عن السعادة وذاتهم المفقودة..
وهو سيفترش القناعة والتفاؤل وأحلامه المنشودة..
هم اختل توازنهم بترتيب البشر حسب أرصدتهم وما يملكون فرخصوا بعين الخَلْق..
هو انضبط إيقاع حياته وزاده الله ثقة فأحبه الناس لتواضعه وجمال روحه.
هم دفعوا فاتورة القهوة والأشياء التي طُلبت لتملأ الطاولة تبجحًا للناظرين
هو عاد للمنزل بعد أن مر ذاك المخبز الصغير ليشتري لوالدته لقمة يشاركها بالمساء فتطيب له الدنيا والسماء.. هو لم يعتد الدخول عليها فارغ اليدين ولو بالشيء اليسير.. فمن الذي كسب؟
فاصلة،
للأسف.. أمثاله لن يعرفه أحد
ولن يذكره أحد.. وسيمر على الحياة كقوس قزح الذي تحجبه الغيوم..
ألوانه وجماله لن يُبصره أحد..
خسارة يا صديقي.. ستمضي أيامك الرائعة ولا يصفق لك أحد.
ستنجز مهام الصباح ولا يشكرك أحد
ستُثري الدنيا بأخلاقك ولا يُثني عليك أحد
ولكن.. أمثالك ينام مرتاح الضمير
فالمجتمع الذي ضاع بحب المظاهر.. لن يحترم أولئك البسطاء الكادحين.. فلذكراك الخلود
إضاءة:
وما قيمة البشر إلا بما تجود به عقولهم وينطقون»
آخر السطر:
الحياة ماهي بساعة كارتير وقلم ديور يا فهيد.. عجزنا نعلمك.
بقلم : دويع العجمي
copy short url   نسخ
08/08/2016
2884