+ A
A -
كشفت المواقف الغربية من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا وقبلها من تطورات الثورة السورية والانقلاب المصري عن حالة من الفصام الحاد بين القيمي والسياسي في السلوك السياسي الغربي، فبعيدا عن شعارات حقوق الإنسان والانتصار للقيم الديمقراطية كان من الواضح أن الحكومات الغربية لا تستسيغ أي تحول ديمقراطي في المنطقة العربية الإسلامية بل وتناوئ بشكل شبه معلن كل محاولات الخروج من التخلف السياسي والاجتماعي الذي يلف المنطقة منذ عقود. ويمكن تفسير هذا النزوع بالاستناد إلى أن الرؤية الاستراتيجية الغربية للإقليم الجغرافي العربي ما يُسمى غربيا بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا تجعله منحصرا في كونه مجرد مجال حيوي لممارسة الهيمنة السياسية والعسكرية والتنافس الاقتصادي لا أكثر. وأنه لا يحق لدول هذه المنطقة السعي نحو تحقيق نهوض سياسي واقتصادي حقيقي بمعزل عن دول المركز فالسياسة التي تنتهجها الدول الغربية المحورية تنطلق من وجهة نظر تتلازم فيها المصلحة بالعداء الثقافي للآخر المختلف وهو هنا الشعوب العربية الإسلامية إلى الحد الذي يصدق فيه ما قاله يوما صامويل هنتنجتون «إن الهوية الثقافية هي العامل الرئيسي في تحديد صداقات دولة ما وعداواتها»، فسمات التصور الغربي إزاء المنطقة العربية الإسلامية يقوم على:
- دعم التفكك الإقليمي: بمعنى ضرب الوحدة الجغرافية للدول ودفعها نحو مزيد من التشظي والتفكك وإثارة النعرات الإقليمية والطائفية وهي بالمناسبة سياسة معتمدة منذ بداية الغزو الاستعماري للمنطقة العربية- الإسلامية (وتشكل اتفاقية سايكس- بيكو التعبير الأوضح عنه).
- الدفع نحو التفكك الإيديولوجي والحضاري: وهو ما يجد تفسيره في ضرب الهوية القومية والدينية وضخ مزيد من الدماء في الصراعات المحلية القائمة على الطائفية السياسية وهو ما يعني تصدع الأسس القيمية وانهيار المنظومات الأخلاقية وتفكك المرجعيات المنتجة للدلالة والمعنى مما يجرف شعوب المنطقة العربية الإسلامية في فضاء عولمي (نسبة إلى العولمة) مفتوحا لا أفق له ولا تخوم.
لقد ظلت الدول الغربية (أنظمتها السلطوية تحديدا) ورغم الشعارات البراقة التي ترفعها تستلهم خطابا إيديولوجيا مسكونا بمشاعر التفوق وممارسة أدوار الهداية وشيطنة الآخر باعتباره حاملا للعنف، مسكونا بالإرهاب، كل ذلك في إطار من المركزية المتعالية التي تعتبر الثقافات الأخرى- خصوصا العربية الإسلامية منها- ثقافات تشكل خطرا على القيم الكونية التي تزعم الثقافة الغربية أنها حاميتها وخط الدفاع الأخير عنها.
لقد تحول النظام العالمي إلى أداة قهرية تجمع بين ازدواجية غريبة فبينما يتم التبشير بمنظومات قيمية كونية قوامها الديمقراطية وحقوق الإنسان، نلاحظ على مستوى الممارسة أن القوى الغربية لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها الأنانية وهو أمر يمكن استنتاجه بسهولة من خلال المواقف الغربية من القضايا الدولية حيث لا يتدخل الغرب في النزاعات إلا في أفق المصلحة ولتركيز غلبة طرف على آخر.
ومن خلال هذه المنطلقات يمكن فهم لماذا أيدت الدول الغربية الكبرى الانقلاب في مصر ولكنها تحفظت وترددت في إدانة محاولة الانقلاب التركي بل وعبرت عن إدانتها للخطوات التي اتخذها الرئيس التركي ضد الانقلابيين متسلحة كالعادة بشعارات الحقوق والحريات وبالدعاية الأخلاقوية التي غابت في مواقع أخرى سواء في الموقف من التدخل الروسي بسوريا أو من العنف السلطوي للنظام المصري، إن هذا الأسلوب الغربي الذي يبالغ في الازدواجية في المواقف لا يساعد على خلق حوار بين الحضارات وإنما هو وصفة لتأجيج العنف وتصاعد أشكال من الإرهاب والعنف المتبادل. بقي أن نشير أن هذه المواقف الرسمية لا تمنع من الإقرار بوجود تعاطف من بعض المثقفين الغربيين مع الحقوق العربية ولكن يظل هؤلاء بعيدين عن أن يكونوا المحددين للسياسات الرسمية الخارجية التي لا تسترشد في الواقع بأية قيمة ولا تستهدف غير مقولات المصلحة والقوة والهيمنة الشاملة مع ما تعنيه هذه المفردات من رغبة ثاوية حينا ومعلنة أحيانا في إبقاء المنطقة العربية الإسلامية خاضعة للهيمنة والإطاحة بأي نفس تحرري فيها.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
09/08/2016
3207