+ A
A -

دانتي أليغييري شاعر إيطالي اشتهر بتأليف قصائد ملحمية طويلة تعرف اليوم باسم الكوميديا الإلهية.. وهي بمثابة روايات شعرية تدور أحداثها في الآخرة (ويتجول فيها دانتي بنفسه بين الجحيم والبرزخ والجنة).. وخلال رحلته هذه يصف طبيعة الثواب والعقاب وأسباب وجود شعراء وشخصيات معروفة في النار..
وتبدأ القصة بضياعه في غابة مظلمة فيقابل الشاعر فيرجيل الذي يأخذه في رحلة إلى العالم الآخر.. وفجأة يدخلان الجحيم من حفرة فظيعة على هيئة مخروط عميق في الارض كتب عليها: «من خلالي يدخل الإنسان المدينة المحزنة؛ ومن خلالي يذوق الآلام السرمدية؛ ومن خلالي ينضم للأجناس الضالة، فتخلوا عن كل آمالكم يا من تدخلون هذه الدار»..
ثم يريان أناسا يعاقَبون بفظاعة على خطاياهم ويخبره ?يرجيل أن عليه رؤية كل شيء إن رغب في الوصول إلى أبواب الفردوس.. ثم يقول: وفي هذا الموضع من الجحيم شاهدت شعراء وفلاسفة وثنيين ومسلمين عظاما... رأيت سقراط يجلس بين أفلاطون، وإقليدس، وأبقراط، وجالينوس، وابن سينا، وابن رشد «الذي ألف الشرح العظيم»..
وينتهي المطاف بدانتي بدخول الدرك الأسفل من الجحيم ويفاجأ بأنها هوة من الجليد يدفن فيها الخونة إلى أذقانهم وتتجمد دموع الألم حتى تصبح قناعاً فوق وجوههم. وهنا يرى كونت دلاكردسكا الذي خان بيـزا مشدوداً إلى رجييري كبير الأساقفة فيها.. وفي وسط الهاوية المتجمدة يرى الشيطان (لوسفر) مستمتعا بمضغ خونة المسيح يهوذا وبروتس، وكاسيوس..
وبعد خروجهما من جهنم يمران بما يسمى المطـهر قبل ان يدخـلا الجـنة ويستمر دانتي في وصف جمالها وروعتها بأكثر من 4758 بيتا من الشعر (ولضيق المساحة سنتجاوز هذا القسم).
وكان دانتي قد بدأ نظم هذه الملحمة باللغة اللاتينية الصعبة - التي كانت حينها لغة العلم والأدب- غير أن عواطفه الجياشة جعلته يلجأ للغة الايطالية الدارجة الأمر الذي لم يساهم فقط في شعبيتها بين الناس بل وفي توحيد اللغة الايطالية الحديثة!
.. ما يهمني شخصيا في هذا الموضوع هو الاقتباس الواضح من المصادر الإسلامية (في وصف الآخرة والجنة والنار) في هذه القصائد.. ليس هذا فحسب بل إن هناك عملا مشابها بعنوان «رسالة الغفران» كتبها أبو العلاء المعري قبل دانتي بأكثر من 264 عاما.. وتبدأ قصة أبو العلاء المعري بوصول ابن القارح (بطل روايته) إلى السماء بفضل دعائه المخلص (وكانت مرشدته حورية جميلة من نساء الجنة بدل الشاعر فيرجيل في قصة دانتي).. وقدم المعري على لسانه أبياتا شعرية تصف الجنة ونعيمها وحواراته مع مشاهير الشعراء فيها كزهير بن أبي سلمى والأعشى والأبرص والنابغة الذبياني ولبيد بن أبي ربيعة والنابغة الجعدي وحسان بن ثابت.. ثم يمر وهو في طريقه إلى النار بمدن العفاريت فيحاور شعراء الجن مثل أبو هدرش وسيد عبقر كما يجد هناك الحطيئة... ثم يلتقي بشعراء أهل النار ولا يتوانى عن مسامرتهم ومبادلتهم الشعر ومنهم امرؤ القيس وعنترة بن شداد وبشار بن برد وعمرو بن كلثوم وطرفة بن العبد والمهلهل وتأبط شراً وغيرهم!
وأثناء مقارنتي بين العملين وجدت دراسات أدبية حديثة تؤكد أن دانتي استمد فعلا فكرته من المصادر الإسلامية كـقصة الإسراء والمعراج، وأحاديث القبر والعذاب، وفتوحات ابن عربي، وأوصاف الجحيم في القرآن والسنة (وبالأخص وجود زمهرير داخل جهنم) نـاهيك عن اطلاعه على رسالة الغفران لأبي العلاء المعري.
ولأن أبا العلاء المعري مات عام1057 ودانتي عام1321 لا أستبعد اقتباس دانـتي من المعري، خصوصا أن صقلية في ذلك الوقت كانت تحت حكم العرب وكان لها تأثير ثقافي قوي على جنوب ايطاليا!
.. وإن كان وقتك يسمح ابحث في جوجل عن: «جمعية الشعراء الأموات»!
بقلم : فهد عامر الاحمدي
copy short url   نسخ
13/08/2016
4875