+ A
A -
«أنا إن متّ، أفيكم يا شباب
شاعراً يرثي شباب العسكرِ؟!»
يتساءل فهد العسكر، الغريب عن أهله وهو بينهم، والمنفي من وطنه وهو يسكن عاصمته، هل هناك من سيرثيني بعد موتي، أم أنني سأعيش منسياً وأموت منسياً؟ والجواب- مع الأسى والأسف- عرفناه نحن ولم يعرفه فهد، فهو وإن حرقت كتبه وهُجر حياً وميتاً، إلاّ أن الكويت بأسرها ترثيه كل يوم، وقصائده تدرّس في جامعتها ومدارسها، كما أن أهم مؤسسة شعرية في العالم العربي «مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري» احتفت به في إحدى دوراتها التي أقيمت في دولة الكويت، فهل يكفيك هذا الرثاء يا فهد؟
قفز إلى ذهني أن يكون فهد العسكر محوراً لمقال هذا الأسبوع بسبب مرور ذكرى وفاته قبل أيام، وهو الظاهرة الشعرية الأبرز في الساحة الشعرية الكويتية عبر تاريخها. ولد رحمه الله عام 1917م وتوفي 1951م. شاهداً على المراحل الأولى لولادة الكويت الحديثة وما صحبها من صعوبات حرجة وتقاطعات خطيرة انتهت بحمدالله إلى الكويت التي نراها اليوم عروساً للخليج العربي.
وفهد العسكر رجلٌ ضحّى بالمجتمع فضحّى المجتمع به، فهو الذي واجه السلطة السياسية برأس عنيد متصلب، وحارب السلطة الاجتماعية بسيف حاد متطرف، فذاق الأمرين في هذين السبيلين وانتهى به المطاف رهين المحبسين، العزلة والعمى، فعاش فقيراً ومات وحيداً، «لم يصلِّ عليه إلا الشيخ عثمان عيسى العصفور وثلاثة من المهرة ورجل خامس لم يُعرف».
لا نستطيع وصف سوء حظ هذا الشاعر مع نفسه ومع مجتمعه كما وصفه هو بشعره، ويكفينا أن نقرأ قصيدته الشهيرة والتي تعبّر عن نفسيته وفكره ومنطلقاته بشكل صارخ، «كفي الملام وعللّيني»، ففيها نجده بكامل تفاصيله، علماً أن هذه القصيدة كتبها في آخر حياته وقد اكتملت تجربته ووصلت شخصيته إلى شكلها النهائي.
وهو رغم تشاؤمه ونظرته السوداوية إلاّ أنه كان متفاعلاً مع أحداث المجتمع وأحداث الأمة، فالأمة حاضرة بقلبه وعقله، وبها كتب ما يثير العقل ويهز القلب:
«يا بني العرب إنّما الضعف عارٌ
إي وربي سلوا الشعوب القويّة
كم ضعيفٍ بكى ونادى، فراحت
لبكاهُ تقهقه البندقيّة!»
وهو على تطرفه تجاه المجتمع والسلطة إلا أنه كان منصفاً تجاه الوطن والقيادة ومخلصاً لهما، فهو الذي مدح الشيخ عبدالله السالم عندما تولى مقاليد الحكم، وكان في أواخر أيامه لا يطمع بمال ولا بجاه، منعزلاً عن الناس ولا يشاركه عزلته إلا العمى، ولكنه كان مؤمناً بأن عبدالله السالم هو الذي بيده العصا السحرية للانطلاق بالكويت إلى السماء، وهكذا كان. فكانت قصيدته «أهلاً بالربيع» دقيقةً حد التنبؤ ولكم أن تقرؤوها لتعلموا كم كان الشاعر حاد البصيرة عندما تحدث عن الكويت التي تكونت بعد 12 عاما من وفاته.
رحم الله فهد العسكر وحفظ الله أوطاننا من كل سوء..

بقلم : صلاح العرجاني
copy short url   نسخ
19/08/2016
5197